فكيف يرجى منهم أنهم لم يحرّفوا المتن الأصلي الذي لو يكن متداولا بينهم مثلها يقينا؟ بل الأظهر أن من بادر منهم إلى تحريف الترجمة ، بادر إلى تحريف الأصل ليكون لفعله سترا عند قومه. والعجب من فرقة بروتستنت أنهم ، لمّا أنكروا هذه الكتب ، لم يبقوا جزءا من كتاب أستير ولم لم ينكروه رأسا؟ لأن هذا الكتاب لا يوجد فيه من أوله إلى آخره اسم من أسماء الله ، فضلا عن بيان صفاته أو حكم من أحكامه ، ولا يعلم حال مصنّفه. وشارحو العهد العتيق لا ينسبونه إلى شخص واحد على سبيل الجزم بالدليل ، بل بالظن والتخمين رجما بالغيب. فبعضهم نسبوا إلى علماء المعبد الذين كانوا من عهد عزرا عليهالسلام إلى زمن سيمن ، ونسب فلو اليهودي إلى يهوكين الذي هو ابن اليسوع الذي جاء من بابل بعد ما أطلق الأسراء ، ونسب أكستائن إلى عزرا عليهالسلام ، ونسب البعض إلى مردكي ، وبعضهم إليه وإلى أستير. وفي الصفحة ٣٤٧ من المجلد الثاني من كاتلك هرلد : «الفاضل مليتوما كتب اسم هذا الكتاب في ذيل أسماء الكتب المسلمة ، كما صرّح يوسي بيس في تاريخ كليسيا في الباب السادس والعشرين من الكتاب الرابع. وضبط كري نازين زن في الأشعار أسماء الكتب الصحيحة ، وما كتب اسم هذا الكتاب فيها. وابم في لوكيس أظهر شبهته على هذا الكتاب في أشعاره التي كتبها إلى سلوكس. واتهاني سيش في مكتوبه التاسع والثلاثين ردّ هذا الكتاب وقبّحه.
الشاهد الثاني : الآية الحادية والثلاثون من الباب السادس والثلاثين من سفر الخليقة هكذا : «وهؤلاء الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبل أن يملك لبني إسرائيل». ولا يمكن أن تكون هذه الآية من كلام موسى عليهالسلام ، لأنها تدلّ على أن المتكلّم بها بعد زمان قامت فيه سلطنة بني إسرائيل ، وأول ملوكهم شاول وكان بعد موسى عليهالسلام بثلاثمائة وستّ وخمسين سنة. قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره ذيل هذه الآية : «غالب ظنّي أن موسى عليهالسلام ما كتب هذه الآية والآية التي بعدها إلى الآية التاسعة والثلاثين. بل هذه الآيات هي آيات الباب الأول من السفر الأول من كتاب أخبار الأيام. وأظن ظنّا قويا قريبا من اليقين أن هذه الآيات كانت مكتوبة على حاشية نسخة صحيحة من التوراة ، فظن الناقل أنها جزء المتن فأدخلها فيه». انتهى. فاعترف هذا المفسّر بإلحاق الآيات التسعة. وعلى اعترافه يلزم أن كتبهم كانت صالحة للتحريف لأن هذه الآيات التسعة ، مع عدم كونها من التوراة ، دخلت فيه وشاعت بعد ذلك في جميع النّسخ.
الشاهد الثالث : الآية الرابعة عشر من الباب الثالث من سفر الاستثناء «فيابر بن منسا ورث كل أرض أرغوب إلى تخوم جاسور ومعكاني وسمّى باسان باسمه جالوث يابر التي هي قرى يابر إلى هذا اليوم». وهذه الآية أيضا لا يمكن أن تكون من كلام موسى عليهالسلام.