فكيف يعتمد على دياناتهم في هذه الكتب؟ لأنه لمّا كان مثل هذا التحريف سببا لتزيين الكتب المقدسة عندهم ، ما كان هذا مذموما عندهم ، فكانوا يفعلون ما يفعلون. وعدم مبالاة الكاتبين كان سببا لشيوع تحريفاتهم في النسخ. فوقع من الفساد ما وقع. فظهر أن ما يتفوّه به علماء بروتستنت في تقريراتهم وتحريراتهم على سبيل المغالطة ، ان التحريف لم يصدر عن اليهود لأنهم كانوا أهل ديانة وكانوا يعترفون بكون كتب العهد العتيق كلام الله ، سفسطة محضة.
الشاهد السابع والعشرون : الآية الثالثة من الباب الرابع عشر من إنجيل متّى هكذا «لأن هيروديس كان قد أخذ يحيى وكتّفه وألقاه في السجن لأجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس». والآية السابعة عشر من الباب السادس من إنجيل مرقس هكذا «لأن هيروديس كان قد أرسل وقبض على يحيى وقيّده في السجن لأجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس». في الآية التاسعة عشر من الباب الثالث من إنجيل لوقا هكذا : «وكان هيروديس رئيس الربع لمّا انتهره يحيى من أجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس» إلى الآخر ... ولفظ فيلبوس غلط يقينا في الأناجيل الثلاثة. ولم يثبت في كتاب من كتب التواريخ أن اسم زوج هيروديا كان فيلبوس. بل صرّح يوسيفس في الباب الخامس من الكتاب الثامن عشر أن اسمه كان هيرود أيضا. ولمّا كان غلطا ، قال هورن في الصفحة ٦٣٢ من المجلد الأول من تفسيره : «الغالب أن اسم فيلبوس وقع في المتن من غلط الكاتب فليسقط. وكريسباخ قد أسقطه». انتهى. وعندنا هذا اللّفظ من أغلاط الإنجيليين. ولا نسلّم قولهم من غلط الكاتب ، لأنه دعوى بلا دليل ويبعد كل البعد أن يقع الغلط من الكاتب في الأناجيل الثلاثة في مضمون واحد. وانظر إلى تحاسرهم انهم بمجرد ظنّهم يسقطون ألفاظا ويدخلونها. وتحريفهم هذا جار في كل زمان. ولمّا كان إيراد الشواهد على سبيل الإلزام أوردت هذا الشاهد في أمثلة التحريف بالزيادة على تسليم ما ادّعوه وهو في الحقيقة بالنظر إلى الأناجيل الثلاثة ثلاثة شواهد.
الشاهد الثامن والعشرون : الآية الحادية والثلاثون من الباب السابع من إنجيل لوقا هكذا : «ثم قال الربّ فيما إذا أشبه أهل هذا الجيل أو ما الذي يشابهونه» وهذه الجملة (ثم قال الربّ) زيدت تحريفا. قال المفسّر آدم كلارك في ذيل هذه الآية «هذه الألفاظ ما كانت أجزاء لمتن لوقا قطّ ، ولهذا الأمر شهادة تامّة. ورد كل محقّق هذه الألفاظ وأخرجها ينجل وكريسباخ من المتن». انتهى. فانظر كيف حقّق هذا المفسّر. والعجب أن المسيحيين من فرقة بروتستنت لا يتركونها في تراجمهم. أليس إدخال الألفاظ التي ثبت زيادتها بالشهادة التامّة وردّها كل محقّق في الكلام الذي هو كلام الله في زعمهم من أقسام التحريف؟