الشاهد التاسع والعشرون : الآية التاسعة من الباب السابع والعشرين من إنجيل متّى هكذا : «وحينئذ كمل قول النبي أرمياء حيث قال : فقبضوا الدراهم الثلاثين ثمن الثّمن الذي ثمّنه بنو إسرائيل» ولفظ أرمياء غلط من الأغلاط المشهورة في إنجيل متّى. لأن هذا لا يوجد في كتب أرمياء ، ولا يوجد هذا المضمون في كتاب آخر من كتب العهد العتيق أيضا بهذه الألفاظ. نعم توجد في الآية الثالثة عشر من الباب الحادي عشر من كتاب زكريا عبارة تناسب هذه العبارة التي نقلها متّى. لكن بين العبارتين فرق كثير يمنع أن يحكم أن متّى نقل عن هذا الكتاب. ومع قطع النظر عن هذا الفرق لا علاقة لعبارة كتاب زكريا عليهالسلام بهذه الحادثة التي ينقل فيها متّى. وفي هذا الموضع أقوال مضطربة لعلماء المسيحيين سلفا وخلفا. قال وارد كاتلك في كتابه المسمّى بكتاب الأغلاط الذي طبع سنة ١٨٤١ من الميلاد في الصفحة ٢٦ «كتب مستر جو ويل في كتابه أنه غلط مرقس ، فكتب أبيثار موضع أخي ملك ، وغلط متّى فكتب أرمياء موضع زكريا». انتهى. وقال هورن في الصفحة ٣٨٥ و ٣٨٦ من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع في سنة ١٨٢٢ من الميلاد : «في هذا النقل إشكال جدّا لأنه لا يوجد في كتاب أرمياء مثل هذا ويوجد في الآية الثالثة عشر من الباب الحادي عشر من كتاب زكريا لكن لا يطابق ألفاظ متّى ألفاظه. وبعض المحقّقين على أنه وقع الغلط في نسخة متّى وكتب الكاتب أرمياء موضع زكريا ، أو أن هذا اللفظ إلحاقي». انتهى. وبعد ذلك نقل شواهد الإلحاق ثم قال : «والأغلب أن عبادة متّى كانت بدون ذكر الاسم هكذا (وحينئذ) كمل قول النبي حيث قال إلى آخرها. ويقوّي هذا الظن أن متّى يترك أسماء الأنبياء إذا نقل». انتهى. وقال في الصفحة ٦٢٥ من المجلد الأول من تفسيره : «الإنجيلي ما كتب في الأصل اسم النبي لكنه أدرجه بعض الناقلين». انتهى. فعلم من العبارتين أن المختار عنده أن هذا اللفظ إلحاقي ، وفي تفسير دوالي ورجرد مينت في ذيل هذه الآية : «هذه الألفاظ المنقولة هاهنا لا توجد في كتب أرمياء ، بل توجد في الآية الثانية عشر من الباب الحادي عشر من كتاب زكرياء ، ومن بعض توجيهاته أن الناقل كتب في الزمان الأول عند انتساخ الإنجيل أرمياء موضع زكريا غلط. وبعد ذلك دخل هذا الغلط في المتن ، كما كتب پبرس». انتهى. وحكى جواد بن ساباط في مقدمة كتابه المسمّى بالبراهين الساباطية» «إني سألت القسّيسين الكثيرين عن هذا فقال طامن : غلط الكاتب ، وقال بيوكانان ومارطريوس وكيراكوس : إن متّى كتب اعتمادا على حفظه بدون المراجعة إلى الكتب فوقع في الغلط ، وقال بعض القسّيسين : لعلّ زكريا يكون مسمّى بأرمياء أيضا». انتهى. أقول : إن المختار أن هذا الغلط صدر عن متّى ، كما هو الظاهر واعترف به وارد وجو ويل وبيوكانان ومارطيروس وكيراكوس. والاحتمالات الباقية ضعيفة يردّها ما قلت أولا واعترف به هورن أيضا من أنه لا يطابق ألفاظ متّى ألفاظ