ناصريا. قال كريزاستم في تفسيره التاسع على متّى : انمحى كثير من كتب الأنبياء ، لأن اليهود ضيّعوا كتبا لأجل غفلتهم بل لأجل عدم ديانتهم ومزّقوا بعضها وأحرقوا بعضها». انتهى قول كريزاستم. وهذا هو الأغلب جدا أنهم مزّقوا الكتب وحرقوها ، لأنهم لمّا رأوا أن الحواريين يتمسكون بهذه الكتب في إثبات مسائل الملّة المسيحية فعلوا هذا الأمر. ويعلم هذا من إعدامهم كتبا نقل عنها متّى. انظروا إلى جستن يقول في المناظرة لطريفون : اليهود أخرجوا كتبا كثيرة من العهد العتيق ليظهر أن العهد الجديد ليس له موافقة تامّة بالعهد العتيق. ويعلم من هذا أن الكتب الكثيرة انمحت». انتهى كلام ممفرد. ويظهر منه أمران : الأول : ان اليهود مزّقوا بعض الكتب وأحرقوا البعض لأجل عدم ديانتهم. والثاني : التحريف كان سهلا في سالف الزمان. ألا ترى كيف انمحت هذه الكتب بإعدامهم من صفحة العالم؟ وإذا عرفت ديانة أهل الكتاب بالنسبة إلى الكتب الإلهية ، وعرفت سهولة وقوع التحريف في الزمان السالف ، فأيّ استبعاد عقلي أو نقلي ، لو قلنا إنهم فعلوا مثله بالكتب أو بالعبارات التي كانت نافعة للمسلمين؟
الشاهد العشرون : الآية الحادية عشر من الباب الأول من إنجيل متّى هكذا : «ويوشيا ولد يوكانيا وإخوته في زمان الجلاء إلى بابل». يظهر منها أن يوكانيا وإخوته أبناء صلبية ليوشيا ، وأن يوكانيا كانت له إخوة ، وأن ولادتهم في زمان الجلاء إلى بابل. وهذه الثلاثة كلها ليست بصحيحة : أما الأول : فلأن يوكانيا بن يهوياقيم بن يوشيا فهو ابن الابن لا الابن. وأما الثاني : فلأنه ما كان له اخوة. نعم كان لأبيه يهوياقيم ثلاثة اخوة. وأما الثالث : فلأن يوكانيا في زمان الجلاء إلى بابل كان ابن ثماني عشرة سنة ، لا أنه تولد في زمان الجلاء إلى بابل. قال آدم كلارك : «قال كامت فلتقرأ الآية الحادية عشر هكذا : «ولد يوشيا يهوياقيم وإخوته وولد يهوياقيم يوكانيا في زمان الجلاء إلى بابل». انتهى. أقول : محصل قول كامت الذي هو مختار آدم كلارك أيضا ، أنه لا بدّ أن يزاد لفظ يهوياقيم هاهنا. والظاهر أن هذا اللفظ سقط من المتن عندهما. وهذا هو التحريف بالنقصان. ومع هذا لا يرتفع الاعتراض الثالث.
ولمّا صارت شواهد الأقسام الثلاثة للتحريف مائة اكتفيت عليها خوفا من الإطناب.
وهذا القدر يكفي في إثبات دعوى التحريف بجميع أقسامه ولدفع كل اعتراض يرد من جانبهم في هذه المسألة ، ولكل مغالطة تصدر من علماء بروتستنت فيها. لكني أورد هاهنا خمس مغالطات وإن ظهر جواباتها للخبير مما حرّرت للتوضيح وزيادة الفائدة.
المغالطة الأولى : يظهر في بعض الأحيان من تقرير علماء بروتستنت تغليطا للعوامّ ولمن كان غير واقف على كتبهم ، أن دعوى التحريف مختصّة بأهل الإسلام ، ولم يسبقهم