يجترئ عليه من له ديانة ، والثاني لا ينافي الشهادة ، وهو المقصود. فلا تضرّ الشهادة للتحريف الذي وقع بعدها وما قالوا لو ثبت التحريف من اليهود لألزمهم المسيح على هذا الفعل.
أقول : على مذاق جمهور القدماء من المسيحيين ، لا مساغ لهذا الكلام ، بل وقع التحريف في عهدهم. وكانوا يلزمونهم ويوبّخونهم. ولو قطعنا النظر عن مذاقهم ، فأقول : إن الإلزام ليس بضروري على مذهبهم. ألا ترون أن النسخة العبرانية والسامرية مختلفتان في كثير من المواضع اختلافا موجبا ، لكون أحدهما غلطا محرّفا البتّة؟ ومن هذه المواضع ، موضع مرّ ذكره في الشاهد الثالث من المقصد الأول. وبين الفريقين نزاع سلفا وخلفا يدّعي كلّ منهما أن المحرّف الفريق الآخر ، وداكتر كني كات ومتّبعوه على أن الحق مع السامريين ، وجمهور علماء بروتستنت على أن الحق مع اليهود ويزعمون أن السامرية حرّفوا هذا الموضع بعد موت موسى عليهالسلام بخمسمائة سنة. فهذا التحريف على زعمهم صدر عن السامرية قبل ميلاد المسيح بتسعمائة وإحدى وخمسين سنة ، وما ألزم المسيح ولا الحواريون السامريين ولا اليهود ، بل سألت امرأة سامرية عن المسيح في هذا الباب خاصّة فما ألزم قومها بل سكت ، وسكوته في هذا الوقت مؤيّد للسامريين. ولذلك استدلّ داكتر كني كات بهذا السكوت ، وقال : إن السامريين ما حرّفوا بل اليهود المحرّفون ، كما عرفت في الشاهد الثاني والثالث من المقصد الأول ، وكذا من المواضع المذكورة هذا الموضع ، إنه يوجد حكم واحد زائد على الأحكام العشرة في السامرية بالنسبة إلى العبرانية وفيه نزاع أيضا سلفا وخلفا ، وما ألزم المسيح ولا الحواريون أحد الفريقين.
المغالطة الثالثة : ان اليهود والمسيحيين أيضا كانوا من أهل الديانة ، كما تدعون في حقّكم فيبعد أن يتجاسر أهل الديانة على مثل هذا الأمر القبيح. أقول : جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى. وإذا وقع التحريف بالفعل ويقينا وأقرّ به علماؤهم سلفا وخلفا ، فما بقي لقول المغالط ، فيبعد أن يتجاسر إلى آخر محل ، بل كان هذا الأمر في القدماء من اليهود والمسيحيين بمنزلة المستحبّات الدينية ، بحسب المقولة المشهورة التي مرّ نقلها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى.
المغالطة الرابعة : ان نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقا وغربا فلا يمكن التحريف لأحد كما لا يمكن في كتابكم. أقول : جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى. فإذا وقع التحريف بالفعل بإقرارهم ، فأيّ محل لعدم إمكانه. وقياس هذه الكتب على القرآن المجيد قياس مع الفارق ، لأن هذه الكتب ، قبل إيجاد صنعة