وأنا أورد عليك أمورا يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم (١).
الأمر الأول : كان موسى عليهالسلام كتب نسخة التوراة وسلّمها إلى الأحبار وسائر كبراء بني إسرائيل ، وأوصاهم بمحافظتها ووضعها في جنب صندوق الشهادة وإخراجها إلى الناس بعد كل سبعة سبعة من السنين في يوم العيد ، لأجل سماع بني إسرائيل. فكانت هذه النسخة موضوعة في جنب الصندوق ، وكانت الطبقة الأولى على وصيّة موسى عليهالسلام. فلما انقرضت هذه الطبقة تغيّر حال بني إسرائيل فكانوا يرتدّون تارة ، ويسلمون أخرى. وهكذا كان حالهم إلى أول سلطنة داود عليهالسلام. وحسنت حالهم في تلك السلطنة ، وصدر سلطنة سليمان عليهالسلام. وكانوا مؤمنين ، لكن لأجل الانقلابات المذكورة ضاعت تلك النسخة الموضوعة في جنب الصندوق ، ولا يعلم جزما متى ضاعت. ولمّا فتح سليمان الصندوق في عهده ، ما وجد فيه غير اللوحين اللذين كانت الأحكام العشرة فقط مكتوبة فيهما ، كما هو مصرّح في الآية التاسعة من الباب الثامن من سفر الملوك الأول وهي هكذا : «ولم يكن في التابوت إلّا اللوحان الحجريان اللذان وضعهما موسى بحوريت ، حيث عاهد الرب بني إسرائيل وأخرجهم من أرض مصر». ثم وقع الانقلاب العظيم في آخر سلطنة سليمان عليهالسلام ، على ما تشهد به كتبهم المقدسة ، بأن ارتدّ سليمان ، والعياذ بالله تعالى ، في آخر عمره بترغيب الأزواج وعبد الأصنام وبنى المعابد لها ، فإذا صار مرتدّا وثنيا ما بقي له غرض بالتوراة. وبعد موته وقع انقلاب أعظم وأشدّ من الأول ، بأن تفرّق أسباط بني إسرائيل ، وصارت السلطنة الواحدة سلطنتين ، فصارت عشرة أسباط في جانب ، والسلطان في جانب. وصار يوربعام سلطانا عن عشرة أسباط ، وسمّيت تلك السلطنة ، السلطنة الإسرائيلية. وصار رحبعام بن سليمان سلطانا على السبطين ، وسمّيت تلك السلطنة سلطنة يهودا. وشاع الكفر والارتداد بين السلطنتين ، لأن يوربعام بعد ما جلس على سرير السلطنة ارتدّ وارتدّت الأسباط العشرة معه ، وعبدوا الأصنام ، ومن بقي منهم على ملّة التوراة من الكهنة هاجر إلى مملكة يهودا. فهذه الأسباط من هذا العهد إلى مائتين وخمسين سنة كانوا كافرين عابدين للأصنام. ثم أبادهم الله بأن سلّط الآشوريين عليهم ، فأسروهم وفرّقوهم في الممالك ، وما أبقوا في تلك المملكة إلّا شرذمة قليلة. وعمّروا تلك المملكة من الوثنيين ، فاختلطت هذه الشرذمة القليلة بالوثنيين اختلاطا شديدا ، فتزاوجوا وتناكحوا وتوالدوا ، وسمّيت أولادهم السامريين. فمن عهد يوربعام إلى آخر السلطنة الإسرائيلية ، وما كان لهذه الأسباط
__________________
(١) لم يعط الكاتب لهذا القسم اسما. كان من الممكن ، وفقا للتقسيم الذي اتّبعه ، أن يكون : المقصد الرابع ، ولكنه جعله قسما مستقلا في متن ردّه على المغالطة الرابعة.