غرض بالتوراة ، وكان وجود نسخ التوراة في تلك المملكة كوجود العنقاء. هذا حال الأسباط العشرة والسلطنة الإسرائيلية.
وجلس على سرير سلطنة يهودا ، من بعد موت سليمان عليهالسلام ، إلى ثلاثمائة واثنتين وسبعين سنة ، عشرون سلطانا. وكان المرتدّون من هؤلاء السلاطين أكثر من المؤمنين. وشاع عبادة الأصنام في عهد رحبعام ، ووضعت تحت كل شجرة وعبدت ، وفي عهد آخذ بنيت المذابح للبعل في كل جانب وناحية من بلدة أورشليم ، وسدّت أبواب بيت المقدس. وكان قبل عهده نهب أورشليم وبيت المقدس مرتين : ففي المرة الأولى تسلّط سلطان مصر ونهب جميع أثاث بيت الله وبيت السلطان. وفي المرة الثانية تسلّط سلطان إسرائيل المرتدّ ونهب بيت الله وبيت السلطان نهبا شديدا. ثم اشتدّ الكفر في عهد منسا حتى صار أكثر أهل تلك المملكة وثنيين ، وبنى مذبح الأصنام في فناء بيت المقدس ، ووضع الوثن الذي كان يعبده في بيت المقدس. وهكذا كان حال الكفر في عهد آمون ابنه. ولمّا جلس يوشيا بن آمون على سرير السلطنة تاب إلى الله توبة نصوحا ، وكان هو وأراكينه متوجّهين لترويج الملّة الموسوية ، وهدم رسوم الكفر والشرك في غاية الجدّ والاجتهاد ، ولكنه مع ذلك ما رأى أحد ولا سمع وجود نسخة التوراة إلى سبع عشرة سنة من سني سلطنته. ثم ادّعى حلقيا الكاهن في العام الثامن عشر من سلطنته أنه وجد نسخة التوراة في بيت المقدس وأعطاها شافان الكاتب ، فقرأ عليه يوشا. فلما سمع مضمونه شقّ ثيابه لأجل الحزن على عصيان بني إسرائيل ، كما هو مصرّح في الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الثاني ، والباب الرابع والثلاثين والسفر الثاني من أخبار الأيام. لكن لا يعتمد على هذه النسخة ولا على قول حلقيا ، لأن البيت نهب مرتين قبل عهد آخذ ، ثم جعل بيت الأصنام وسدنة الأصنام. كانوا يدخلون البيت كل يوم وما سمع أحد إلى سبعة عشر عاما من سلطنة يوشيا أيضا اسم التوراة ، ولا رآه ، مع أن السلطان والأمراء والرعايا كانوا في غاية الاجتهاد لاتّباع الملّة الموسوية ، وكانت الكهنة يدخلون كل يوم إلى هذه المدة. فالعجب كل العجب أن تكون النسخة في البيت ولا يراها أحد. فهذه النسخة ما كانت إلّا من مخترعات حلقيا. فإنه لمّا رأى توجّه السلطان والأراكين إلى اتّباع الملّة الموسوية جمعها من الروايات اللسانية التي وصلت إليه من أفواه الناس ، سواء كانت صادقة أو غير صادقة ، وكان إلى هذه المدة في جمعها وتأليفها. فبعد ما جمع ، نسب إلى موسى عليهالسلام. ومثل هذا الافتراء والكذب لترويج الملّة وإشاعة الحق كان من المستحبّات الدينية عند متأخّري اليهود وقدماء المسيحيين ، كما عرفت.
لكني أقطع النظر هاهنا عن هذا ، وأقول إنه وجدت نسخة التوراة في العام الثامن عشر