على خدمة أخرى فهذا ، بحسب الظاهر عند الخادم ، وكذا عند غيره الذي ما أخبرته عن نيّتك ، تغيير. وأما في الحقيقة وعندك فليس بتغيير ولا استحالة في هذا المعنى لا بالنسبة إلى ذات الله ولا إلى صفاته. فكما أن في تبديل المواسم ، مثل الربيع والصيف والخريف والشتاء ، وكذا في تبديل الليل والنهار ، وتبديل حالات الناس مثل الفقر والغنى والصحة والمرض وغيرها ، حكما ومصالح الله تعالى ، سواء ظهرت لنا أو لم تظهر ، فكذلك في نسخ الأحكام ، حكم ومصالح له ، نظرا إلى حال المكلّفين والزمان والمكان. ألا ترى أن الطبيب الحاذق يبدّل الأدوية والأغذية بملاحظة حالات المريض وغيرها على حسب المصلحة التي يراها ، ولا يحمل أحد فعله على العبث والسفاهة والجهل؟ فكيف يظن عاقل هذه الأمور في الحكيم المطلق العالم بالأشياء بالعلم القديم الأزلي الأبدي؟
وإذا علمت هذا ، فأقول : ليست قصة من القصص المندرجة في العهد العتيق والجديد منسوخة عندنا. نعم بعضها كاذب مثل : أن لوطا عليهالسلام زنى بابنتيه وحملتا بالزنا من الأب ، كما هو مصرّح في الباب التاسع عشر من سفر التكوين ، أو أن يهودا بن يعقوب عليهالسلام زنى بثامار زوجة ابنه وحملت بالزنا منه وولدت توأمين فارص وزارح ، كما هو مصرّح به في الباب الثامن والثلاثين من السفر المذكور ، وداود وسليمان وعيسى عليهمالسلام كلهم من أولاد فارض المذكور ، كما هو مصرّح به في الباب الأول من إنجيل متّى ، أو أن داود عليهالسلام زنى بامرأة أوريا وحملت بالزنا منه فأهلك زوجها بالمكر وأخذها زوجة له ، كما هو مصرّح به في الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني ، أو أن سليمان عليهالسلام ارتدّ في آخر عمره وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد وبنى المعابد لها ، كما هو مصرّح به في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول ، أو أن هارون عليهالسلام بنى معبدا للعجل وعبده وأمر بني إسرائيل بعبادته ، كما هو مصرّح به في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج. فنقول : إن هذه القصص وأمثالها كاذبة باطلة عندنا ، ولا نقول إنها منسوخة. والأمور القطعية العقلية والحسّيّة ، والأحكام الواجبة ، والأحكام المؤبدة ، والأحكام الوقتية قبل أوقاتها ، والأحكام المطلقة التي يفرض فيها الوقت والمكلّف والوجه متّحدة ، لا تكون هذه الأشياء كلها منسوخة ليلزم الشناعة. وكذا لا تكون الأدعية منسوخة. فلا يكون الزبور الذي هو أدعية منسوخا بالمعنى المصطلح عندنا ، ولا نقول قطعا إنه ناسخ للتوراة ومنسوخ من الإنجيل ، كما افترى هذا الأمر على أهل الإسلام صاحب ميزان الحق ، وقال : إن هذا مصرّح به في القرآن والتفاسير. وإنما منعنا عن استعمال الزبور والكتب الأخرى من العهد العتيق والجديد ، لأنها مشكوكة يقينا ، بسبب عدم أسانيدها المتصلة وثبوت وقوع التحريف اللفظي فيها بجميع أقسامه ، كما عرفت في الباب الثاني.