ويجوز النّسخ في غير المذكورات من الأحكام المطلقة الصالحة للنسخ. فنعترف بأن بعض أحكام التوراة والإنجيل من الأحكام التي هي من جنس الصالحة للنسخ ، منسوخة في الشريعة المحمدية. ولا نقول : إن كل حكم من أحكامها منسوخة. كيف وأن بعض أحكام التوراة لم تنسخ يقينا ، مثل : حرمة اليمين الكاذبة ، والقتل بالزنا واللّواطة ، والسرقة وشهادة الزّور ، والخيانة في مال الجار وعرضه ، ووجوب إكرام الأبوين ، وحرمة نكاح الآباء والأبناء والأمهات والبنات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات وجمع الأختين ، وغيرها من الأحكام الكثيرة. وكذا بعض أحكام الإنجيل لم تنسخ يقينا. مثلا : وقع في الباب الثاني عشر من إنجيل مرقس هكذا : «٢٩ فقال له عيسى وهو يحاوره إن أول الأحكام قوله اسمع يا إسرائيل فإن الربّ إلهنا ربّ واحد ٣٠ وأن تحبّ الربّ إلهك بقلبك كله وروحك كله وإدراكك كله وقواك كلها. هذا هو الحكم الأول ٣١ والثاني مثله وهو أن تحبّ جارك كنفسك وليس حكم آخر أكبر من هذين». فهذان الحكمان باقيان في شريعتنا على أوكد وجه ، وليسا بمنسوخين. والنسخ ليس بمختصّ بشريعتنا ، بل وجد في الشرائع السابقة أيضا بالكثرة بكلا قسميه ، أعني النسخ الذي يكون في شريعة نبيّ لاحق لحكم كان في شريعة نبيّ سابق ، والنسخ الذي يكون في شريعة نبيّ لحكم آخر من شريعة هذا النبيّ. وأمثلة القسمين في العهد العتيق والجديد غير محصورة. لكن أكتفي هاهنا ببعضها ، فأقول :
أمثلة القسم الأول هذه : الأول : تزوجت الإخوة بالأخوات في عهد آدم عليهالسلام ، وسارة زوجة إبراهيم عليهالسلام أيضا كانت أختا علانية له ، كما يفهم من قوله في حقها المندرج في الآية الثانية عشر من الباب العشرين من سفر التكوين ترجمة عربية سنة ١٦٢٥ وسنة ١٦٤٨ «إنها أختي بالحقيقة ابنة أبي وليست ابنة أمي وقد تزوّجت بها». والنكاح بالأخت حرام مطلقا في الشريعة الموسوية ، عينيّة كانت الأخت أو علانية أو خفيّة ، أو مساو للزنا ، والناكح ملعون ، وقتل الزوجين واجب. الآية التاسعة من الباب الثامن عشر من سفر الأحبار هكذا : «لا تكشف عورة أختك من أبيك كانت أو من أمك التي ولدت في البيت أو خارجا من البيت». وفي تفسير دوالي ورجرد مينت في ذيل شرح هذه الآية : «مثل هذا النكاح مساو للزنا». انتهى. والآية السابعة عشر من الباب العشرين من السفر المذكور هكذا : «أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو أخته ابنة أمه ورأى عورتها ورأت عورته ، فهذا عار شديد ، فيقتلان أمام شعبهما. وذلك لأنه كشف عورة أخته فيكون إثمهما في رأسهما». والآية الثانية والعشرون من الباب السابع والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا : «يكون ملعونا من يضاجع أخته من أبيه وأمه». فلو لم يكن هذا النكاح جائزا في شريعة آدم وإبراهيم عليهماالسلام ، يلزم أن يكون الناس كلهم أولاد الزنا ، والناكحون زانين وواجبي القتل وملعونين ، فكيف يظن