سخيف. وأما الثالث وهو أنه حلّ فيه بعض من أبعاض الإله وجزء من أجزائه ، فذلك أيضا محال. لأن ذلك الجزء ، إن كان معتبرا في الإلهية فعند انفصاله عن الإله وجب أن لا يبقى الإله إلها ، وإن لم يكن معتبرا في تحقيق الإلهية لم يكن جزءا من الإله. فثبت فساد هذه الأقسام ، فكان قول النصارى باطلا. الوجه الرابع : في بطلان قول النصارى ، ما ثبت بالتواتر من أن عيسى عليهالسلام كان عظيم الرغبة في العبادة والطاعة لله تعالى ولو كان إلها لاستحال ذلك ، لأن الإله لا يعبد نفسه. فهذه وجوه في غاية الجلاء والظهور دالة على فساد قولهم.
«ثم قلت للنصراني : وما الذي دلّك على كونه إلها؟ فقال : الذي دلّ عليه ظهور العجائب عليه من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وذلك لا يمكن حصوله إلا بقدرة الإله تعالى. فقلت له : هل تسلّم أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول أم لا؟ فإن لم تسلّم ، لزمك من نفى العالم في الأزل نفى الصانع. وإن سلمت أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول ، فأقول لما جوزت حلول الإله في بدن عيسى عليهالسلام ، فكيف عرفت أن الإله ما حلّ بدني وبدنك وفي بدن كل حيوان ونبات وجماد؟ فقال : الفرق ظاهر ، وذلك لأني إنما حكمت ذلك الحلول لأنه ظهرت تلك الأفعال العجيبة عليه ، والأفعال العجيبة ما ظهرت على يدي ولا على يدك ، فعلمنا أن ذلك الحلول مفقود هاهنا. فقلت له : تبيّن الآن أنك ما عرفت معنى قولي أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول ، وذلك لأن ظهور تلك الخوارق دالة على حلول الإله في بدن عيسى عليهالسلام. فعدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك ليس فيه إلا أنه لم يوجد ذلك الدليل. فإذا ثبت أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول لا يلزم من عدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك وعدم الحلول في حقي وفي حقك بل وفي حق الكلب والسنور والفأر. ثم قلت ان مذهبا يؤدي القول به إلى تجويز حلول ذات الله في بدن الكلب والذباب لفي غاية الخسة والركاكة. [ثم] ان قلب العصا حية أبعد في العقل من إعادة الميت حيا لأن المشاكلة بين بدن الحي وبدن الميت أكثر من المشاكلة بين الخشبة وبين بدن الثعبان. فإذا لم يوجب قلب العصا حية ، كون موسى عليهالسلام إلها وابنا للإله ، فبأن لا يدل إحياء الموتى على الإلهية ، كان ذلك أولى. وعند هذا انقطع النصراني ، ولم يبق له كلام. والله أعلم». انتهى كلامه بعبارته الشريفة.