الله كما قال الله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢]. وإلى هذه الأمور السبعة المذكورة أشار الله تعالى بقوله : (... أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) [الفرقان : ٦] ، لأن مثل هذه البلاغة والأسلوب العجيب والأخبار عن الغيوب والاشتمال على أنواع العلوم والبراءة عن الاختلاف والتفاوت ، مع كون الكتاب كبيرا مشتملا على أنواع العلوم لا يأتي إلا من العالم الذي لا يغيب عن علمه مثقال ذرّة مما في السموات والأرض.
الأمر الثامن : كونه معجزة باقية متلوة في كل مكان مع تكفل الله بحفظه ، بخلاف معجزات الأنبياء ، فإنها انقضت بانقضاء أوقاتها ، وهذه المعجزة باقية على ما كانت عليه من وقت النزول إلى زماننا هذا. وقد مضت مدة ألف ومائتين وثمانين وحجتها قاهرة ، ومعارضته ممتنعة. وفي الأزمان كلها القرى والأمصار مملوءة بأهل اللسان وأئمة البلاغة ، والملحد فيهم كثير ، والمخالف العنيد حاضر ومهيأ ، وتبقى إن شاء الله هكذا ما بقيت الدنيا وأهلها في خير وعافية. ولما كان المعجز منه بمقدار أقصر سورة ، فكل جزء منه بهذا المقدار معجزة. فعلى هذا ، يكون القرآن مشتملا على أكثر من ألفي معجزة.
الأمر التاسع : إن قارئه لا يسأمه ، وسامعه لا يمجه ، بل تكراره يوجب زيادة محبته ، كما قيل :
وخير جليس لا يمل حديثه |
|
وترداده يزداد فيه تجمّلا |
وغيره من الكلام. ولو كان بليغا في الغاية يمل مع الترديد في السمع ويكره في الطبع. ولكن هذا الأمر بالنسبة إلى من له قلب سليم ، لا إلى من له طبع سقيم.
الأمر العاشر : كونه جامعا بين الدليل ومدلوله ، فالتالي له إذا كان ممن يدرك معانيه يفهم مواضع الحجة والتكليف معا في كلام واحد باعتبار منطوقه ومفهومه ، لأنه ببلاغة الكلام يستدل على الإعجاز ، وبالمعاني يقف على أمر الله ونهيه ووعده ووعيده.
الأمر الحادي عشر : حفظه لمتعلميه بالسهولة ، كما قال الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ...) [القمر : ١٧ و ٢٢ و ٣٢ و ٤٠] ، فحفظه ميسّر على الأولاد الصغار في أقرب مدة. ويوجد في هذه الأمة في هذا الزمان أيضا ، مع ضعف الإسلام في أكثر الأقطار ، أزيد من مائة ألف من حفاظ القرآن بحيث يمكن أن يكتب القرآن من حفظ كل منهم من الأول إلى الآخر بحيث لا يقع الغلط في الإعراب ، فضلا عن الألفاظ. ولا يخرج في جميع ديار أوروبا عدد حفاظ الإنجيل بحيث يساوي الحفاظ في قرية من قرى مصر مع فراغ بال