وكون الهداية والضلال من جانبه. ولنعم ما قال أشعيا عليهالسلام في الآية التاسعة من الباب الخامس والأربعين من كتابه : «الويل لمن يخالف جابله خزف من خزاف الأرض. هل يقول الطين لجابله ما ذا تصنع؟ هل يقول عملك ليس اليدان لك؟» وبالنظر إلى هذه الآيات لعلّ مقتدي فرقة پروتستنت لوطر مال إلى الجبر كما يدل عليه ظاهر كلامه. ذكر في الصفحة ٢٧٧ من المجلد التاسع من كاتلك هرلد أقوال المقتدى الممدوح. فانقل عنها قولين ١ «طبع الإنسان كالفرس إن ركبه الله يمشي كما يريد الله ، وإن ركبه الشيطان يمشي كان يمشي الشيطان. وهو لا يختار راكبا من نفسه ، بل يجتهد الركبان أن أيا منهم يحصله ويتسلط عليه». ٢ «إذا وجد أمر في الكتب المقدسة بأن افعلوا هذا الأمر ، فافهموا أن هذه الكتب تأمر عدم فعل هذا الأمر الحسن لأنك لا تقدر على فعله». انتهى. فالظاهر من كلامه أنه يعتقد الجبر. وقال القسيس طامس انكلس كاتلك في الصفحة ٣٣ من كتابه المسمى بمرآة الصدق المطبوع سنة ١٨٥١ طاعنا على فرقة پروتستنت هكذا : «وعاظهم القدماء علموهم هذه الأقوال المكروهة : / ١ / ان الله موجد العصيان / ٢ / وان الإنسان ليس مختارا على أن يجتنب عن الإثم / ٣ / وان العمل على الأحكام العشرة غير ممكن / ٤ / وان الكبائر وإن كانت عظيمة لا توصل الإنسان إلى النقص في نظر الله / ٥ / وان الإيمان فقط ينجي الإنسان لأننا ندان بالإيمان فقط ، وهذا التعليم أنفع ، وتعليم مملوء بالطمأنينة / ٦ / وان أب إصلاح الدين ـ يعني لوطر ـ قال آمنوا فقط واعلموا يقينا أنه يحصل لكم النجاة بلا مشقة الصوم ، وبلا مئونة التقوى ، وبلا مشقة الاعتراف ، وبلا مشقة الأمور الحسنة ، ولكم نجاة نفيسة بلا شبهة كما للمسيح نفسه. أذنبوا بالجرأة التامة ، أذنبوا وآمنوا فقط ، وينجيكم الإيمان. وإن ابتليتم في يوم واحد ألف مرة بالزنا أو القتل آمنوا فقط. أنا أقول أن إيمانكم ينجيكم». انتهى. فظهر أن ما قال علماء پروتستنت في الأمر الأول في حق القرآن مردود بلا شبهة مخالف لكتبهم المقدسة ، ولقول مقتداهم. ولا يلزم من خلق الشرّ أن يكون الله شريرا ، كما لا يلزم من خلق السواد والبياض وغيرهما من الأعراض أن يكون أسود أو أبيض. والحكمة في خلق الشرّ كما هي في خلق الشيطان الذي هو أصل الشرور ورأس المفاسد ، مع علم الله الأزلي بأن الشيطان يصدر عنه كذا وكذا ، وكما هي في خلق الشهوة والحرص في طبع الإنسان مع علمه الأزلي بما يترتب عليهما في كل فرد من أفراد الإنسان ، وكما كان الله قادرا على أن لا يخلق الشيطان أو يخلقه ولا يعطيه القدرة على الإغواء ويمنعه عن الشرّ ، ومع ذلك خلقه ولم يمنعه عن الشرّ لحكمة ما ، فكذلك قادر على أن لا يخلق الشرّ ، لكنه في خلقه له حكمة ما.
وأما الجواب عن الأمر الثاني : فهو أنه لا قبح في كون الجنّة مشتملة على الحور والقصور وسائر النعيم عند العقل. ولا يقول أهل الإسلام أن لذّات الجنّة مقصورة على