اللذات الجسمانية فقط ، كما يقول علماء پروتستنت غلطا أو تغليطا للعوام ، بل يعتقدون بنص القرآن أن الجنّة تشتمل على اللذات الروحانية والجسمانية ، والأولى أفضل من الثانية ، ويحصل كلا النوعين للمؤمنين. قال الله في سورة التوبة : [٧٢] (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). فقوله ورضوان من الله الآية ، معناه أن رضوانا من الله أكبر منزلة من كل ما سلف ذكره من الجنّات والأنهار والمساكن الطيبة. وهذا القول يدل على أن أفضل ما يعطي الله في الجنّة هي اللذات الروحانية ، وإن كان يعطي اللذّات الجسمانية أيضا. ولذلك قال ذلك هو الفوز العظيم ، لأن الإنسان مخلوق من جوهرين لطيف علوي وكثيف سفلي جسماني ، وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة. فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية ، كان الروح فائزا بالسعادات اللائقة به ، والجسد واصلا إلى السعادات اللائقة به ، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم. وإن قال علماء پروتستنت أن اجتماعهما أيضا في الجنّة قبيح في عقولنا ، أقول لهم : لا تضطربوا فإنه لا يحصل لكم إن شاء الله. وقد عرفت في الباب الأول أن الإنجيل عندنا عبارة عما أنزل على عيسى عليهالسلام فقط فلو وجد في قول من الأقوال المسيحية ما يخالف ظاهره حكم القرآن ، فمع قطع النظر عن أنه مروي برواية الآحاد ، وعن أن مخالفة كتبهم المقدسة لا تضرّ القرآن ، كما عرفت في جواب الشّبهة الثانية ، أقول أن ذلك القول يكون مؤوّلا البتة. وكون أهل الجنة كالملائكة في زعمهم لا ينافي الأكل والشرب على حكم كتبهم. ألا يرون أن الملائكة الثلاثة الذين ظهروا لإبراهيم وأحضر لهم إبراهيم عليهالسلام عجلا حنيذا وسمنا ولبنا أكلوا هذه الأشياء كما صرّح به في الباب الثامن عشر من سفر التكوين؟ وأن الملكين اللذين جاء إلى لوط عليهالسلام وصنع لهما وليمة وخبزا فطيرا أكلا ، كما صرّح به في الباب التاسع عشر من سفر التكوين؟ والعجب أنهم لما اعترفوا بالحشر الجسماني ، فأي استبعاد في اللذات الجسمانية؟ نعم لو كانوا منكرين للحشر مطلقا كمشركي العرب ، أو كانوا منكرين للحشر الجسماني ، ومعترفين بالحشر الروحاني ، كأتباع أرسطو ، لكان لاستبعادهم وجه بحسب الظاهر. وعندهم تجسد الله وما انفك عنه الأكل والشرب وسائر اللوازم الجسدانية ، باعتبار أنه إنسان. ولما لم يكن عيسى عليهالسلام مرتاضا مثل يحيى في الاجتناب عن الأطعمة النفيسة وشرب الخمر كان المنكرون يطعنون عليه بأنه أكول وشريب ، كما هو مصرّح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى. وعندنا هذا الطعن مردود لكنا نقول أنه لا شك أن عيسى عليهالسلام ، باعتبار الجسميّة ، كان إنسانا فقط. فكما أن الأطعمة النفيسة وشرب الخمر ما كانا مانعين في حقه عليهالسلام عن اللذات الروحانية مع كونه في هذه الدار الدنيا ،