وثمانين سنة ، وهو كما أنه محفوظ بواسطة الكتابة في كل قرن ، فكذلك محفوظ في كل قرن أيضا بواسطة صدور ألوف من الرجال. وأكثر فرق المسيحيين في هذا الزمان أيضا ، بحيث لو لاحظنا حال كبار علمائهم وخواصهم فضلا عن عوامهم ، وجدناهم أنه لا يحصل لهم تلاوة كتبهم المقدسة. قال المعلم ميخائيل مشاقة من علماء پروتستنت في خاتمة كتابه المسمى بالدليل إلى طاعة الإنجيل المطبوع سنة ١٨٤٩ في الصفحة ٣١٦ : «إنني ذات يوم سألت كاهنا ـ من كهنة كاتلك ـ أن يجيبني بالصدق عن مطالعة الكتاب المقدس ، وكم مرة قرأه في مدة حياته ، فقال أنه كان يقرأ أحيانا ، وربما جملة أسفار لم يقرأها. ولكن منذ اثنتي عشرة سنة لأجل انهماكه في خدمة الرعية لم يبق له فرصة المطالعة فيه. ولا يخلو أن كثيرين من الشعب يعرفون جهالة هؤلاء الاكليرس ، ولكنهم مع ذلك ينقادون إلى إرشادهم في المنع عن مطالعة الكتب المفيدة التي ترشدهم إليها». انتهى كلامه بلفظه.
الفائدة الثالث : الحديث الصحيح أيضا معتبر عند أهل الإسلام على الوجه الذي سنفصله. ولما كان قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» متواترا رواه اثنان وستون صحابيا منهم العشرة المبشّرة ، كان أهل الإسلام مهتمين بالأحاديث النبوية من القرن الأول ، وكان اهتمامهم في حفظ الأحاديث أزيد من اهتمام المسيحيين ، كما أن اهتمامهم في حفظ القرآن في كل قرن أشدّ من اهتمام المسيحيين في حفظ كتبهم المقدسة. لكن الصحابة لم يدوّنوها في الكتب في عهدهم لبعض الأعذار ، منها الاحتياط التام لأجل أن لا يختلط كلام الرسول بكلام الله. وتابعوا الصحابة ، كالزهري والربيع بن صبيح وسعيد وغيرهم رحمهمالله ، شرعوا في تدوينها ، لكنهم ما كتبوها مرتبة على ترتيب أبواب الفقه. ولما كان هذا الترتيب حسنا ، ضبط تبع التابعين على هذا الترتيب. فالإمام مالك رحمهالله ، الذي ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة صنّف الموطأ في المدينة وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج في مكة ، وعبد الرحمن بن الأوزاعي في الشام ، وسفيان الثوري في الكوفة ، وحمّاد بن سلمة في البصرة ، ثم صنّف البخاري ومسلم صحيحيهما واقتصرا فيهما على ذكر الأحاديث الصحيحة وترك غيرها من الضعاف. واجتهد الأئمة المحدثون في أمر الأحاديث اجتهادا عظيما ، وقد صنف فن عظيم الشأن في أسماء الرجال يعلم به حال كل راو من رواة الحديث بأنه كيف كان حاله في الديانة والحفظ. وروى كلّ من أصحاب الصحاح الأحاديث بالإسناد منهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وبعض أحاديث البخاري ثلاثيات تصل بثلاث وسائط إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وينقسم الحديث الصحيح إلى ثلاثة أقسام : متواتر ، ومشهور ، وخبر الواحد. فالمتواتر ما نقله جماعة عن جماعة لا يجوّز العقل توافقهم على الكذب مثاله ، كنقل أعداد ركعات الصلاة ومقادير الزكاة