وإن فات منهم شيء لأجل اتباعه يحصل لهم في هذه الدنيا بدله مائة ضعف هذا الشيء ، ورسخ في أذهانهم هذا الأمر حتى طلب يعقوب ويوحنا ابنا زبدى أو طلبت أمهما ، على اختلاف رواية الإنجيليين ، منصب الوزارة العظمى بأن يجلس أحدهما على يمين عيسى عليهالسلام والآخر على يساره في ملكوته ، كما هو مصرّح به في الباب العشرين من إنجيل متّى والباب العاشر من إنجيل مرقس ، لكنهم لما رأوا أنه لم يحصل لهم السلطنة الخيالية ولا مائة ضعف في هذه الدنيا ، بل لم يحصل له أيضا شيء من الدولة الدنياوية ، وهو مسكين كما كان يخاف من اليهود ويفر من موضع إلى موضع ، ورأوا أن اليهود في صدد أن يأخذوه ويقتلوه ، تنبهوا أن فهمهم كان خطأ والمواعيد المذكورة كسراب يحسبه الظمآن ماء ، فرضي واحد منهم ، بدل هذه السلطنة الخيالية وهذه الأضعاف الموهومة ، بثلاثين درهما أخذها من اليهود على شرط تسليمه لهم ، وتركه سائرهم حين ما أخذه اليهود ، وفروا. وأنكره ثلاث مرات ولعنه أرشد الحواريين وأعظمهم الذي كان مبنى كنيسة وراعي خرافه وخليفته أعني حضرة بطرس ، وحلف أني لا أعرفه. وصاروا آيسين مطلقا عن متخيلاتهم بعد ما صلب على زعمهم. ثم لما رأوه مرة أخرى بعد القيام ، رجع رجاؤهم مرة أخرى ، وظنوا أنهم يصيرون سلاطين في هذه المرة ، فسألوه مجتمعين في وقت صعوده قائلين هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل ، كما هو مصرّح في الباب الأول من كتاب الأعمال؟ وبعد الصعود وقعوا في خيال آخر ، هو أعظم من السلطنة الدنياوية التي لم تحصل لهم إلى زمان الصعود ، وهو أن المسيح ينزل في عهدهم من السماء ، وأن القيامة قريبة ، كما عرفت مفصلا في الفصل الثالث والرابع من الباب الأول ، وأنه بعد نزوله يقتل الدجال ويحبس الشيطان إلى ألف سنة ، وأنهم يجلسون على الأسرة بعد نزوله ويعيشون عيشة مرضية إلى المدة المذكورة في هذه الدنيا ، كما يفهم من الباب التاسع عشر والعشرين من كتاب المشاهدات ، والآية الثانية من الباب السادس من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس ، ثم يحصل لهم السرور الدائم في الجنة إلى الأبد عند القيامة الثانية. فلأجل هذه الأمور بالغوا في مدحه وتقرير حالاته كما قال الإنجيلي الرابع في آخر إنجيله : «إن أشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب». ولا شك أنه كذب محض ومبالغة شاعرية قبيحة. فكانوا يبالغون بأمثال هذه الأقوال ليوقعوا السفهاء في شبكاتهم حتى ماتوا غير واصلين إلى مرادهم. فلا اعتبار لشهادتهم في حقه. وهذا التقرير على سبيل الإلزام لا الاعتقاد ، كما صرحت به مرارا. فكما أن هذا الاحتمال في حق عيسى وحواريه الحقة عليهمالسلام ساقط ، فكذلك احتمالهم في حق أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ساقط.
وقد يشير القسيسون لأجل تغليط العوّام إلى ما يتفوّه به الفرقة الإمامية الاثني عشرية في