الجواب : قد عرفت في الفصل الثالث أن الرواية اللسانية معتبرة عند جمهور أهل الكتاب ، واعتبارها ثابت من هذا الإنجيل المتداول ، وأن فرقة پروتستنت تحتاج إلى اعتبارها في أمور كثيرة هي ـ على إقرار ماني سيك الأسقف ـ بمقدار ستمائة ، وأن خمسة أبواب من سفر الأمثال جمعت من الروايات اللسانية في عهد حزقيا بعد مدة مائتين وسبعين سنة من موت سليمان عليهالسلام ، وأن إنجيل مرقس ولوقا وتسعة عشر بابا من كتاب الأعمال كتبت بالرواية اللسانية ، وأن الأمر المهتم بشأنه يكون محفوظا ولا يتطرق فيه خلل بمرور مدة ، وأن التابعين كانوا شرعوا في تدوين الأحاديث في الكتب لكنهم دوّنوها على غير ترتيب أبواب الفقه ، وأن طبقة تبع التابعين دوّنوها على ترتيبها. ثم أن البخاري وباقي مؤلفي الكتب الصحاح اقتصروا على ذكر الأحاديث الصحيحة وتركوا الضعاف. وروى كلّ من أصحاب الصحاح الأحاديث بالإسناد منهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد صنّف في أسماء الرجال فن عظيم الشأن يعلم به حال كل راو من رواة الحديث. وكذا قد عرفت أن أهل الإسلام كيف يعتبرون الحديث الصحيح فلا يرد عليهم شيء. وقولهم (سمعوها بالتواتر وأسقطوا مقدار النصف لعدم الاعتبار) ، غلط ، لأنهم ما أسقطوا لعدم الاعتبار حديثا من الأحاديث التي سمعوها بالتواتر ، لأن الحديث المتواتر عندهم واجب الاعتبار. نعم تركوا الضعاف التي لم تكن أسانيدها كاملة وتركها لا يضر ، كما قد عرفت في الباب الثاني من قول آدم كلارك : «إن هذا الأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في أول القرون المسيحية. وكثرة هذه الأحوال الكاذبة غير الصحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل ويوجد ذكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة ، والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية. وكان ثابري سيوس جمع هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاث مجلدات». انتهى.
الشّبهة الثالثة : إن كل عاقل إذا ترك التعصب علم أن أكثر الأحاديث لا يمكن أن تكون معانيها صادقة مطابقة لما في نفس الأمر.
والجواب : لا يوجد في الأحاديث الصحيحة شيء يكون مضمونه ممتنعا عند العقل وأما بعض المعجزات التي هي خلاف العادة ، وبعض أحوال الجنّة والجحيم أو الملائكة التي لا يوجد لها نظائر في هذه الدنيا فإن كان استبعادهم لها لأجل أنها ممتنعة بالبرهان فعليهم ذكر هذا البرهان وعلينا جوابه. وإن كان لأجل أنها خلاف العادة أولا يوجد لها نظائر في هذا العالم ، فلا يضرها ، لأن المعجزة لو كانت على مجرى العادة لا تكون معجزة. أليس صيرورة العصا ثعبانا وابتلاعها جميع تنانين السحرة ، ثم صيرورتها كما كانت بلا زيادة حجم ، وهكذا جميع معجزات موسى عليهالسلام ، على خلاف مجرى العادة؟ وقياس العالم الآخر على هذا