العالم قياس مع الفارق. نعم لو قام البرهان القطعي على امتناع شيء يقطع بامتناعه في العالم الآخر أيضا ، وبدون قيام البرهان لا يتجاسر على إنكاره في العالم الآخر. ألا يرون إلى اختلاف أحوال الأقاليم؟ فإن بعض الأشياء توجد في بعض دون بعض. فمن كان من إقليم وسمع حال بعض الأشياء العجيبة المختصة بإقليم آخر يستبعد ، بل كثيرا ما ينكر بشرط أن لا يكون سماعه بالتواتر. وقد تكون بعض الأمور مستبعدة في بعض الأحيان دون بعض ، كما أن قطع المسافة البحرية بهذه السرعة التي تقطع بالمراكب الدخانية ، أو البرية التي تقطع بالعربيات الدخانية ، كان من المستبعدات عند الناس قبل إيجاد المراكب الدخانية والعربيات الدخانية. وكذا وصول الخبر في دقيقة أو دقيقتين إلى مسافة بعيدة بواسطة السلك المعروف كان من المستبعدات قبل إيجاده ، وما بقيت مستبعدة بعد اختراع هذه الأشياء وامتحانها. لكن الانصاف أن عادة المنكرين أنهم يغمضون عين الانصاف ويحكمون على كل شيء يرى مستبعدا في آرائهم أنه محال. وتعلم علماء پروتستنت هذه العادة من أبناء صنفهم الذين يسمونهم الملاحدة. لكن العجب من هؤلاء العلماء أنهم لا يرون أن كتبهم مملوءة بالأغلاط الصريحة ، كما نقلت بعضها على سبيل الأنموذج في الفصل الثالث من الباب الأول. وانهم ما تنبهوا باستبعادات أبناء صنفهم وعاملوا المسلمين بما عاملتهم أبناء صنفهم. وقد كانت استبعادات أبناء صنفهم غالبا أقوى من استبعاداتهم الناقصة. وأنا أنقل بعض المواضع من المواضع التي يستهزءون بها ويستبعدونها مثلا :
١ ـ وقع في الباب الثاني والعشرين من كتاب العدد هكذا : «٢٨ ففتح الرب فم الأتانة وقالت لبلعام ما الذي فعلت بك هذه ثلاث مرات قد ضربتني ٢٩ فقال بلعام للأتان لأنك استأهلت ذلك مني إلخ. ٣٠ فقالت الأتانة لبلعام لست أنا أتانك التي تركب منذ كنت غلاما إلى يومك هذا. فهل فعلت بك مثل هذا فقال لا». قال هورن في الصفحة ٦٣٦ من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة ١٨٢٢ : «إن الكفار من زمان قليل يستهزءون بتكلم أتان بلعام». انتهى.
٢ ـ ووقع في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأول أن الغربان : «كانت تجيب اللحم والخبز لإيلياء الرسول إلى مدة». وهذا الأمر ضحكة عند أبناء صنفهم ، حتى مال محققهم المشهور هورن إلى رأيهم وسفه مفسريهم ومترجميهم بوجوه ثلاثة ، كما عرفتها في الفصل الثالث من الباب الأول.
٣ ـ ووقع في الباب الرابع من كتاب حزقيال هكذا ، وأنقل عبارته عن الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ : «٤ وأنت تنام على جانبك الأيسر تجعل آثام بيت إسرائيل عليها على