طبع هذه النسخة المصلحة ، وكتب جواب الاستفسار ، وسماه بحل الأشكال ثم كتبت الرد على تلك النسخة الثانية لميزان الحق ونبهت في كل موضع خالفت فيه هذه النسخة الجديدة للنسخة العتيقة وسميته بمعدل اعوجاج الميزان ، لكن كتابي هذا لم يطبع في الهند لأجل بعض الحوادث ، وكتب بعض أحبائي الرد على حل الاشكال في جواب الاستفسار وسماه بالاستبشار ، وطبع هذا الرد واشتهر في الهند وفي زمان طبعه واشتهاره كان مؤلف الميزان في الهند ، ومضت مدة عشر سنين على طبعه ، وما كتب المؤلف المذكور في جوابه شيئا. وسمعت من بعض الثقات أنه أصلح في المرة الثالثة الميزان الذي طبعه بالتركي وغيّر في المواضع التي رأى فيها التغير واجبا ، مثل التغير في ابتداء الفصل الثاني من الباب الأول وغيره. ومن رأى الاستفسار ، ولم تصل إليه النسخة القديمة للميزان بل وصلت إليه النسخة الثانية أو الثالثة وأراد أن يصحح نقل صاحب الاستفسار كلام مؤلف الميزان بهاتين النسختين ، وجده غير مطابق لهما في بعض المواضع. وكذا من رأى معدل اعوجاج الميزان ، ولم تصل إليه النسخة الأولى ولا الثانية بل وصلت إليه النسخة الثالثة التركية وأراد تصحيح النقل بهذه التركية ، وجد في بعض المواضع النقل غير مطابق لها. فإن لم يكن واقفا على هذا التغير والإصلاح يظن أن الراد والناقل أخطأ في النقل. وليس كذلك ، بل حصل هذا الأمر من تغيّر المردود عليه وتحريفه ، والراد الناقل مصيب ، فالحاصل أن أمثال هذا الاصلاح والتحريفات جارية في كتبهم وتراجمهم ورسائلهم إلى هذا الحين.
الأمر الثامن (١) : ان بولس وإن كان عند أهل التثليث في رتبة الحواريين ، لكنه غير مقبول عندنا ، ولا نعده من المؤمنين الصادقين بل من المنافقين الكذابين ومعلمي الزور والرسل الخدّاعين الذين ظهروا بالكثرة بعد عروج المسيح ، كما عرفت في الأمر الرابع وهو خرب الدين المسيحي وأباح كل محرم لمعتقديه. وكان في ابتداء الأمر مؤذيا للطبقة الأولى من المسيحيين جهرا ، لكنه لما رأى أن هذا الإيذاء الجهري لا ينفع نفعا معتدا به دخل على سبيل النفاق في هذه الملة وادّعى رسالة المسيح وأظهر الزهد الظاهري ، ففعل في هذا الحجاب ما فعل ، وقبله أهل التثليث لأجل زهده الظاهري ولأجل فراغ ذمتهم عن جميع التكاليف الشرعية ، كما قبل أناس كثيرون من المسيحيين في القرن الثاني منتش الذي كان زاهدا مرتاضا وادّعى «أني هو الفارقليط الموعود به» ، فقبلوه لأجل زهده ورياضته ، كما سيجيء ذكره في البشارة الثامنة عشر ، ورده المحققون من علماء الإسلام سلفا وخلفا. قال الإمام القرطبي
__________________
(١) للتذكير : انه الأمر الثامن والأخير والذي أشار إليه المؤلف في بداية الكلام على المسلك السادس.