هكذا : «هم أغاروني بغير إله وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة. وأنا أيضا أغيرهم بغير شعب. وبشعب جاهل أغضبهم». والمراد بشعب جاهل العرب ، لأنهم كانوا في غاية الجهل والضلال ، وما كان عندهم علم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية ، وما كانوا يعرفون سوى عبادة الأوثان والأصنام ، وكانوا محقرين عند اليهود لكونهم من أولاد هاجر الجارية. فمقصود الآية أن بني إسرائيل أغاروني بعبادة المعبودات الباطلة فأغيرهم باصطفاء الذين هم عندهم محقرون وجاهلون. فأوفى بما وعد ، فبعث من العرب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فهداهم إلى الصراط المستقيم ، كما قال الله تعالى في سورة الجمعة : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة : ٢]. وليس المراد بالشعب الجاهل اليونانييّن ، كما يفهم من ظاهر كلام مقدسهم بولس في الباب العاشر من الرسالة الرومية. لأن اليونانيين ، قبل ظهور عيسى عليهالسلام بأزيد من ثلاثمائة سنة ، كانوا فائقين على أهل العالم كلهم في العلوم والفنون. وكان جميع الحكماء المشهورين ، مثل سقراط وبقراط وفيساغورس وأفلاطون وأرسطاطاليس وأرشميدس وبليناس وأقليدس وجالينوس وغيرهم الذين كانوا أئمة الإلهيات والرياضيات والطبيعيات وفروعها ، قبل عيسى عليهالسلام. وكان اليونانيون في عهده على غاية درجة الكمال في فنونهم ، وكانوا واقفين على أحكام التوراة وقصصها وسائر كتب العهد العتيق أيضا بواسطة ترجمة سبتوجنت التي ظهرت باللسان اليوناني قبل المسيح بمقدار مائتين وست وثمانين سنة. لكنهم ما كانوا معتقدين للملة الموسوية ، وكانوا متفحصين عن الأشياء الحكمية الجديدة ، كما قال مقدسهم هذا في الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا : «٢٢ لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة ٢٣ ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة». فلا يجوز أن يكون المراد بالشعب الجاهل اليونانيين. فكلام مقدسهم في الرسالة الرومية ، إما مؤوّل أو مردود. وقد عرفت في الأمر الثامن أن قوله ساقط عن الاعتبار عندنا.
البشارة الثالثة : في الباب الثالث والثلاثين من سفر الاستثناء في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا : «وقال جاء الرب من سينا ، وأشرق لنا من ساعير ، استعلن من جبل فاران ، ومعه ألوف الأطهار في يمينه ، سنة من نار». فمجيؤه من سيناء : إعطاؤه التوراة لموسى عليهالسلام. وإشراقه من ساعير : إعطاؤه الإنجيل لعيسى عليهالسلام. واستعلانه من
__________________
ـ البشارات (أو الإخبارات) عن مسالك الفصل ووضعنا لها عنوانا ثانويا لبعد ما بين هذه الإخبارات والأخبار الواردة في المسالك الستة والشاهدة على نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ومعجزاته.