الترجمتين ، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٦٠ هكذا : «ماكث معكم ويكون فيكم». فظهر أن المراد بقوله ثابت فيكم الثبوت الاستقبالي يقينا. فلا اعتراض به لوجه من الوجوه. وبقي قوله مقيم عندكم. فأقول لا يصح حمل هذا القول على معنى (هو مقيم عندكم الآن) لأنه ينافي قوله : «أنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر». وقوله «قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون». وقوله «إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط». وإذا أوّل نقول أنه بمعنى الاستقبال. كما أن القول الذي بعده بمعنى الاستقبال. ومعناه يكون مقيما عندكم في الاستقبال. فلا خدشة في صدقه أيضا على محمد صلىاللهعليهوسلم. والتعبير عن الاستقبال بالحال بل بالماضي في الأمور المتيقنة كثير في العهدين. ألا ترى أن حزقيال عليهالسلام أخبر أولا عن خروج يأجوج ومأجوج في الزمان المستقبل وإهلاكهم حين وصولهم إلى جبال إسرائيل ، ثم قال في الآية الثامنة من الباب التاسع والثلاثين من كتابه هكذا : «ها هو جاء وصار يقول الرب الإله : هذا هو اليوم الذي قلت عنه». فانظروا إلى قوله (ها هو جاء وصار) وهذا القول في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة ١٨٣٩ هكذا (ابنك رسيد وبوقوع يبوست). فعبّر عن الحال المستقبل بالماضي لكونه يقينا لا شك فيه. وقد مضت مدة أزيد من ألفين وأربعمائة وخمسين سنة ولم يظهر خروجهم. وفي الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس من إنجيل يوحنا هكذا : «الحق الحق أقول عليكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون». فانظروا إلى قوله (وهي الآن) وقد مضت مدة أزيد من ألف وثمانمائة ولم تجيء هذه الساعة ، وإلى الآن أيضا مجهولة لا يعرف أحد متى تجيء.
الشّبهة الخامسة : في الباب الأول من كتاب الأعمال هكذا : «٤ وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الأب الذي سمعتموه مني ٥ لأن يوحنا عمد بالماء ، وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير». وهذا يدل على أن فارقليط هو الروح النازل يوم الدار ، لأن المراد بوعد الأب هو فارقليط. أقول الادعاء بأن المراد بموعد الأب هو فارقليط ، ادعاء محض ، بل هو غلط ، لثلاثة عشر وجها. وقد عرفتها. بل الحق أن الأخبار عن فارقليط شيء ، والوعد بإنزال الروح عليه مرة أخرى شيء آخر ، وقد وفى الله بالوعدين وقد عبّر بالوعد الأول بمجيء فارقليط ، وهاهنا بموعد الأب. غاية الأمر أن يوحنا نقل بشارة فارقليط ولم ينقلها الإنجيليون الباقون ، ولوقا نقل موعد نزول الروح الذي نزل يوم الدار ، ولم ينقله يوحنا ، ولا بأس فيه. فإنهم قد يتفقون في نقل الأقوال الخسيسة كركوب عيسى عليهالسلام على الحمار وقت الذهاب إلى أورشليم ، اتفق على نقله الأربعة. وقد يتخالفون في نقل الأحوال العظيمة. ألا ترى أن لوقا انفرد بذكر إحياء ابن الأرملة من الأموات في نابين ، وبذكر إرسال عيسى عليهالسلام سبعين تلميذا ، وبذكر إبراء عشرة برص ،