ولم يذكر هذه الحالات أحد من الإنجيليين ، مع أنها من الحالات العظيمة. وأن يوحنا انفرد بذكر وليمة العرس في قانا الجليل ، وظهر من يسوع فيه معجزة تحويل الماء خمرا ، وهذه المعجزة أول معجزاته وسبب ظهور مجده وإيمان التلاميذ به ، وبذكر إبراء السقيم في بيت صيدا في أورشليم ، وهذه أيضا معجزة عظيمة ، والمريض كان مريضا من ثمان وثلاثين سنة ، وبذكر قصة امرأة أخذت في زنا ، وبذكر إبراء الأكمه ، وهذا أيضا من أعظم معجزاته ، وهي مصرحة بها في الباب التاسع ، وبذكر إحياء العازار من بين الأموات ، ولم يذكرها أحد من الإنجيليين ، مع أنها حالات عظيمة. وهكذا حال متى ومرقس فإنهما انفردا بذكر بعض المعجزات والحالات التي لم يذكرهما غيرهما.
ولما طال البحث في هذا المسلك (١) ، فلنقتصر على هذا القدر من البشارات التي نقلتها عن كتبهم المعتبرة عندهم في زماننا. وأما البشارات التي توجد في كتب أخرى هي ليست معتبرة عندهم في زماننا ، فما نقلتها. وبعد ما فرغت أنقل عنها بشارة واحدة أيضا على سبيل الأنموذج. فأقول.
القسيس سيل نقل في مقدمة ترجمته للقرآن المجيد من إنجيل برنابا بشارة محمدية هكذا : «اعلم يا برنابا أن الذنب وإن كان صغيرا يجزي الله عليه ، لأن الله غير راض عن الذنب ، ولما اجتنى أمي وتلاميذي لأجل الدنيا سخط الله لأجل هذا الأمر ، وأراد باقتضاء عدله أن يجزيهم في هذا العالم على هذه العقيدة غير اللائقة ليحصل لهم النجاة من عذاب جهنم ، ولا يكون لهم أذية هناك. وأني وإن كنت بريا لكن بعض الناس لما قالوا في حقي أنه الله وابن الله ، كره الله هذا القول واقتضت مشيئته بأن لا تضحك الشياطين يوم القيامة عليّ ولا يستهزءون بي ، فاستحسن بمقتضى لطفه ورحمته أن يكون الضحك والاستهزاء في الدنيا بسبب موت يهوذا. ويظن كل شخص أني صلبت. لكن هذه الإهانة والاستهزاء تبقيان إلى أن يجيء محمد رسول الله. فإذا جاء في الدنيا ينبه كل مؤمن على هذا الغلط ، وترتفع هذه الشّبهة من قلوب الناس». انتهت ترجمة كلامه. أقول : هذه البشارة عظيمة. وإن اعترضوا أن هذا الإنجيل رده مجالس علمائنا السلف ، أقول : لا اعتبار لردهم وقبولهم ، كما علمت بما لا مزيد عليه في الباب الأول. وهذا الإنجيل من الأناجيل القديمة ، ويوجد ذكره في كتب القرن الثاني والثالث ، فعلى هذا كتب هذا الإنجيل قبل ظهور محمد صلىاللهعليهوسلم بمائتي سنة. ولا يقدر أحد أن يخبر بغير الإلهام بمثل هذا الأمر قبل وقوعه بمائتي سنة. فلا بدّ أن يكون هذا قول عيسى عليهالسلام. وإن قالوا أن أحدا من المسلمين حرّف هذا الإنجيل بعد ظهور محمد صلىاللهعليهوسلم ، قلت
__________________
(١) أي : المسلك السادس والأخير من هذا الفصل الأول من الباب السادس من هذا الكتاب.