ومملكته ، فمنشؤه قلة الديانة. لأن قتل النساء والأطفال ، وكذا قتل جميع أهل بعض البلاد ، ما كان ضروريا لأجل هذه المصلحة. على أنا نقول أنا لو فرضنا أن هذا القتل كان لأجل السلطنة ، لكنه لا يخلو إما أن يكون مرضيا لله وحلالا له ، أو يكون مبغوضا عند الله ومحرّما عليه. فإن كان الأول ثبت مطلوبنا. وإن كان الثاني لزم كذب قوله وقول مقدسهم وكذب شهادة الله في حقه ولزوم أن يكون دماء ألوف من المعصومين وغير واجبي القتل في ذمته ، ودم البريء الواحد يكفي للهلاك ، فكيف تحصل له النجاة الأخروية؟ في الباب الثالث من الرسالة الأولى ليوحنا «وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه». وفي الباب الحادي والعشرين من المشاهدات : «وأما الجبانون والكفار والمرذولون والقتلة والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وكل الكذابين يكون نصيبهم في البحيرة الموقدة بالنار والكبريت هذا هو الموت الثاني». والعياذ بالله. وحذرا من التطويل أكتفي على هذا القدر.
الأمر الثالث : لا يشترط أن تكون الأحكام العملية الموجودة في الشريعة السابقة باقية في الشريعة اللاحقة بعينها ، بل لا يشترط أن تكون هذه الأحكام العملية باقية في شريعة واحدة من أولها إلى آخرها ، بل يجوز أن تختلف هذه الأحكام بحسب اختلاف المصالح والأزمنة والمكلفين. وقد عرفت هذه الأمور في الباب الثالث بما لا مزيد عليه. فكان الجهاد مشروعا في الشريعة الموسوية على طريق هو أشنع أنواع الظلم عند منكري النبوّة ، ولم تبق مشروعيته في الشريعة العيسوية. وما كان بنو إسرائيل مأمورين بالجهاد قبل خروجهم عن مصر ، وصاروا مأمورين به بعد خروجهم. وعيسى عليهالسلام يقتل الدجال وعسكره بعد نزوله ، كما هو مصرّح به في الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي ، والباب التاسع عشر من المشاهدات. وكذا لا يشترط أن تكون معاملة تنبيه الكفار والعصاة على طريقة واحدة ، كما علمت في الأمر الأول. فلا يجوز لمن يعتقد النبوّة والوحي أن يعترض في مثل هذه الأمور على شريعة. فلا يجوز له أن يقول ان إهلاك كل ذي حياة غير أهل السفينة في طوفان نوح عليهالسلام ، وإهلاك أهل سادوم وعامورة ونواحيهما في عهد لوط عليهالسلام ، وإهلاك كل ولد أكبر من أولاد الإنسان والبهيمة من أهل مصر ليلة خروج بين إسرائيل عنها في عهد موسى عليهالسلام ، كان ظلما سيما إهلاك ألوف في حادثة الطوفان وإهلاك ألوف في الحادثتين الأخيرتين من أولاد الإنسان الصغار وأولاد البهيمة التي هي ما كانت مدنسة بذنب من الذنوب. وكذا لا يجوز أن يقول إن قتل الأمم السبعة كلها بحيث لا تبقى منهم بقية ما ، سيما قتل أولادهم الصغار الذين ما كانوا اقترفوا ذنبا ، ظلم. أو أن يقول إن قتل الرجال وسبي الذراري ونهب الأموال من غير الأمم السبعة ، وإن قتل ذكور المديانيين كلهم حتى الطفل الرضيع ، وكذا قتل نسائهم الثيبات كلها وإبقاء الأبكار لأجل أنفسهم ونهب الأموال والدواب ،