وقبل المسيحيون الجزية ما قتل أحدا ، ولا أكره على الإيمان ، وأعطاهم شروطا حسنة. وقد اعترف به مؤرخوهم ومفسروهم أيضا ، كما عرفت من كلام طامس نيوتن في الفصل الثالث من الباب الأول. وقد عرفت في الأمر الرابع من هذا المبحث من كلام المفسّر المذكور ما فعل المسيحيون في حق المسلمين واليهود إذ تسلطوا على إيلياء. والفرق بين الشريعة المحمدية والموسوية في مسألة الجهاد ، إن الشريعة المحمدية أن يدعى الكافر فيها أولا بالموعظة الحسنة إلى الإسلام بخلاف الشريعة الموسوية. وظاهر أنه لا قبح في هذه الدعوة. والامتناع ، بعد الإيمان ، عن القتل عين الإنصاف. في الآية الحادية عشر من الباب الثالث والثلاثين من كتاب حزقيال : «يقول الرب الإله لست أريد موت المنافق ، بل أن يتوب المنافق من طريقه». والآية السابعة من الباب الخامس والخمسين من كتاب أشعياء هكذا : «فليترك المنافق طريقه ورجل السوء أفكاره ، وليرجع إلى الرب فيرحمه ، وإلى إلهنا لأنه كثير الغفران». والثاني أنه كان حكم قتل النساء والصبيان إذا كانوا من الأمم السبعة في الشريعة الموسوية ، بخلاف الشريعة المحمدية. فإن هؤلاء يقتلون ، وإن كانوا من مشركي العرب. كما كانوا ألا يقتلون في الشريعة الموسوية أيضا إذا كانوا من غير الأقوام السبعة. فإذا تمهدت هذه الأمور الخمسة أقول لا شناعة في مسألة الجهاد الإسلامي نقلا وعقلا. أما نقلا فلما عرفته في الأمور المذكورة : وأما عقلا فلأنه قد ثبت بالبرهان الصحيح أن إصلاح القوة النظرية مقدم على إصلاح القوة العملية. فإصلاح العقائد مقدم على إصلاح الأعمال. وهذه مقدمة مسلمة عند كافة المليين. ولذلك لا تفيد الأعمال الصالحة بدون الإيمان عندهم. ولا يعاندنا المسيحيون أيضا في هذا الباب. لأن الأعمال الصالحة بدون الإيمان بالمسيح لا تنجي عندهم أيضا. وان الجواد الحليم المتواضع الكافر بعيسى عليهالسلام أشرّ عندهم من البخيل الغضوب المتكبر المؤمن بعيسى عليهالسلام. وكذا قد ثبت بالتجربة الصحيحة أن الإنسان قد يتنبه على خطئه وقبحه بتنبيه الغير. وكذا قد ثبت بالتجربة الصحيحة أن الإنسان لا يطيع الحق غالبا لأجل وجاهة قومه وشوكتهم ، ولا يصغي إلى قول رجل من صنف آخر ، بل يأنف من سماع كلامه ، سيما إذا كان هذا القول مخالفا لطبائع صنفه وأصولهم ، ويكون في قبوله لزوم المشقة في أداء العبادات البدنية والمالية ، بخلاف ما إذا انكسرت وجاهة قومه وشوكتهم ، فلا يأنف من الإصغاء. كذا قد ثبت بالتجربة أن العدو إذا رأى أن مخالفه مائل إلى الدعة والسكون يطمع في التسلط على مملكته. وهذا هو السبب الأغلبي في زوال الدول القديمة. وبعد تسلطه تحصل المضرة العظيمة للدين والديانة. ولذلك اضطر المسيحيون كافة إلى ما يخالف إنجيلهم المتداول ، فقال أهل ملة كاتلك أن الكنيسة الرومانية لها سلطان حقيقي على كل مسيحي بواسطة العماد ، لكون كل معتمد خاضعا للكنيسة الرومانية ومرءوسا منها ، وهي ملتزمة