أمهل المجيب إلى سنة لأداء جوابه. فأشار المفتي إلى ناظر محكمة ، وكان رجلا ظريفا ، فقال : أي سؤال هذا؟ قال القسيس : إن نبيّكم ادّعى أنه مأمور بالجهاد وما كان موسى مأمورا به ولا عيسى. فقال الناظر : أهذا هو السؤال الذي تمهلنا إلى سنة لنتفكر في جوابه؟ قال القسيس نعم. قال الناظر : لا نستمهلك ، وأجيبك الآن لسببين : أما أولا فلأنا متعلقون بالدولة الانكليزية ولا فرصة لنا إلا في أيام التعطيل. فمن يمهلنا إلى سنة؟ وأما ثانيا فلأن هذا السؤال لا يحتاج في جوابه إلى تأمل ما ذا تقول في حق لجج (١) (يعني الحاكم الانكليزي الذي يكون بمنزلة القاضي في الشرع) أيجوز له بحسب القوانين الانكليزية أن يقتل القاتل قصاصا إذا ثبت القتل عليه عنده؟ قال القسيس : لا ، لأنه ليس بمأمور بهذا ، بل منصبه أن يرسل هذا القاتل إلى شيشن جج (يعني الحاكم الكبير منه). قال أيجوز لهذا الحاكم الكبير بحسب القوانين أن يقتله إذا ثبت القتل عنده؟ قال القسيس : لا ، لأنه ليس بمأمور أيضا ، بل منصبه أن يحقق الأمر ثانيا ويخبر الحاكم الذي هو أعلى منه حتى يصدر حكم القتل عن هذا الأعلى ، ثم يحكم هذا الكبير بقتله. فقال الناظر أهؤلاء الحكام الثلاثة ليسوا بمتعلقين بالدولة الواحدة الانكليزية؟ قال القسيس : بلى ، لكن اختلاف الاقتدار لأجل اختلاف مناصبهم. فقال الناظر : الآن ظهر الجواب من كلامك ، فلا بدّ أن تعلم أن موسى وعيسى عليهماالسلام بمنزلة الحاكمين الأولين ، ونبيّنا بمنزلة الحاكم الثالث الأعلى. فكما لا يلزم من عدم اقتدار الحاكمين الأولين عدم اقتدار الثالث ، فكذا لا يلزم من عدم اقتدار موسى وعيسى عليهماالسلام عدم اقتدار محمد صلىاللهعليهوسلم. فسكت القسيس وخرج خائبا. فمن نظر إلى ما ذكرت بنظر الإنصاف وتجنّب عن العناد والاعتساف ، علم يقينا أن التشدد في مسألة الجهاد وقتل المرتد والمرغب إلى عبادة الأوثان في الشريعة الموسوية أشد وأكثر من التشدد الذي فيها في الشريعة المحمدية ، وان طعن المسيحيين خلاف الإنصاف جدا. وأتعجب من حالهم أنهم لا ينظرون إلى أن أسلافهم كيف أشاعوا ملتهم بالظلم ، وكيف قرروا القوانين الجورية لمخالفيهم. ولما طال هذا المبحث لا أتعرض لهوساتهم المندرجة في رسائلهم. وفيما ذكرت كفاية لدفع هذه الهوسات. وبالله التوفيق.
المطعن الثاني : من شروط النبوّة ظهور المعجزات على يد من يدّعيها. وما ظهرت معجزة على يد محمد صلىاللهعليهوسلم ، كما يدل عليه ما وقع في صورة الأنعام : [٥٦] (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) ، وكذا ما وقع في تلك السورة : [١٠٩] (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ
__________________
(١) القاضي ، وهي نسخ للكلمة الانكليزية : Judge.