اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ). وكذا ما وقع في سورة بني إسرائيل : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٠ ـ ٩٣] وكذا بعض الآيات الأخر.
والجواب : ان الأمور الثلاثة التي ذكرها السائل تغليطات. أما الأول فلأن صدور المعجزة ليس من شروط النبوّة على حكم هذا الإنجيل المتعارف. فعدم صدورها لا يدلّ على عدم النبوّة. في الآية الحادية والأربعين من الباب العاشر من إنجيل يوحنا هكذا : «فأتى إليه كثيرون وقالوا ان يوحنا لم يفعل آية واحدة». وفي الآية السابعة والعشرين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل متّى هكذا : «يوحنا عند الجميع نبيّ». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٢٥ «كلهم يحسبون يحيى نبيّا». وقد وقع في الباب الحادي عشر من إنجيل متّى قول عيسى عليهالسلام في حقه : «انه أفضل من نبيّ». فهذا الأفضل من الأنبياء لم تصدر عنه معجزة من المعجزات على شهادة كثيرين ، مع أن نبوّته مسلمة عند المسيحيين. وأما الأمر الثاني فغلط بحت ، كما عرفت في الفصل الأول. والأمر الثالث إما غلط منهم أو تغليط. لأن المراد بما في قوله تعالى ما تستعجلون به الواقع في الآية الأولى العذاب الذي استعجلوه بقوله : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ). ومعنى الآية (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي العذاب الذي تستعجلون به. (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) في تعجيل العذاب وتأخيره. (يَقُصُّ الْحَقَّ) أي يقضي القضاء الحق من تعجيل وتأخير. (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أي القاضين. فحاصل الآية أن العذاب ينزل عليكم في الوقت الذي أراد الله إنزاله ، ولا قدرة لي على تقدمه أو تأخيره. وقد نزل عليهم يوم بدر وما بعده. فلا تدل هذه الآية على أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لم تصدر عنه معجزة. وأما الآية الثانية فمعناها : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) مصدر في موضع الحال. (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) من مقترحاتهم (لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء. (وَما يُشْعِرُكُمْ) استفهام إنكار (أَنَّها) أي الآية المقترحة (إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا تدرون أنهم لا يؤمنون بها. وهذا القول يدل على أنه تعالى إنما لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون. وأما الآية الثالثة فمعناها (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ) أي أرض مكة (يَنْبُوعاً) أي عينا غزيرة لا ينضب ماؤها (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) يعنون قوله تعالى إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء. (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) أي شاهدا على صحة ما تدّعيه ضامنا لدركه. (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ)