أي من ذهب (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) أي في معارجها. (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) وحده (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً) من السماء فيه تصديقك. عن ابن عباس قال عبد الله بن أبي أمية : لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه ، وأنا أنظر حتى تأتيها ، ثم تأتي معك بصك منشور معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول : (نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) تعجبا من اقتراحاتهم (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) كسائر الرسل. وما كان مقصودهم بهذه الاقتراحات إلا العناد واللجاج ، ولو جاءتهم كل آية لقالوا هذا سحر كما قال الله عزوجل : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) [الأنعام : ٧] (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ) [الحجر : ١٤]. وكذا حال بعض آيات أخر. يفهم منه في الظاهر نفي إظهار الآية ، لكن المقصود به نفي المعجزة المقترحة. ولا يلزم من هذا النفي نفي المعجزات مطلقا ، ولا يلزم على الأنبياء أن يظهروا معجزة كلما طلبها المنكرون ، بل هم لا يظهرون إذا طلب المنكرون عنادا أو امتحانا أو استهزاء. وأورد لهذا الأمر شواهد من العهد الجديد.
الأول : في الباب الثامن من إنجيل مرقس هكذا : «١١ فخرج الفريسيون وابتدءوا يحاورونه طالبين مائة آية من السماء لكي يجربوه ١٢ فتنهد بروحه ، وقال لما ذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية». فالفريسيون طلبوا معجزة من عيسى عليهالسلام على سبيل الامتحان فما أظهر معجزة ، ولا أحال في ذلك الوقت إلى معجزة صدرت عنه فيما قبل ، ولا وعد بإظهارها فيما بعد أيضا. بل قوله لن يعطي هذا الجيل آية يدل على أن المعجزة لا تصدر عنه فيما بعد هذا البتة ، لأن لفظ الجيل يشمل الجميع الذين كانوا في زمانه.
الثاني : في الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا : «٨ وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدا لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجى أن يرى آية تصنع منه ٩ وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء ١٠ ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداده ١١ فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباسا لامعا ورده إلى بيلاطس». فعيسى عليهالسلام ما أظهر معجزة في ذلك الوقت ، وقد كان هيرودس يترجى أن يرى منه آية. والأغلب أنه لو رأى لألزم اليهود على اشتكائهم ولما احتقره مع عسكره ولما استهزأ.
الثالث : في الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا هكذا : «٦٣ والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزءون به وهم يجلدونه ٦٤ وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين : تنبأ من هو الذي ضربك. وأشياء أخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدفين». ولما كان سؤالهم استهزاء وتوهينا ما أجابهم عيسى عليهالسلام.