السلام معجزتين ، فما أجاب بواحدة منهما. واعترف في المرة الثانية أنه لا يليق بالمربوب أن يجرب ربه ، بل مقتضى العبودية مراعاة الآداب وعدم التجربة.
السابع : في الباب السادس من إنجيل يوحنا هكذا : «٢٩ أجاب يسوع وقال لهم : هذا هو عمل الله لن تؤمنوا بالذي هو أرسله ٣٠ فقالوا له : فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك؟ ٣١ ما ذا تعمل؟ آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزا من السماء ليأكلوا». فاليهود طلبوا معجزة ، فما أظهرها عيسى عليهالسلام ، ولا أحال إلى معجزة فعلها قبل هذا السؤال ، بل تكلم بكلام مجمل لم يفهمه أكثر السامعين ، بل ارتد كثير من تلاميذه بسببه ، كما هو مصرّح به في الآية السادسة والستين من الباب المذكور وهي في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٦٠ هكذا : «ومن هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه». وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٢٥ : «ومن ثم ارتد كثير من تلاميذه على أعقابهم ولم يماشوه بعد ذلك».
الثامن : في الباب الأول من الرسالة إلى أهل قورنيثوس هكذا : «٢٢ فإن اليهود يسألون معجزة واليونانيون يطلبون حكمة ٢٣ ونحن نكرز بالمسيح المصلوب ، وذلك معثرة لليهود وحماقة لليونانيين». فاليهود كما كانوا يطلبون المعجزة من المسيح عليهالسلام كانوا يطلبونها من الحواريين أيضا. وأقرّ مقدسهم بولس بأنهم يطلبون المعجزة ونحن نكرز بالمسيح المصلوب. فظهر من هذه العبارات المنقولة أن عيسى عليهالسلام والحواريين ما أظهروا معجزة بين أيدي الطالبين في الأوقات التي طلبوا المعجزات فيها ، ولا أحالوا المنكرين إلى معجزة فعلوها قبل هذه الأوقات. فلو استدل أحد بالآيات المذكورة على أن عيسى عليهالسلام والحواريين ما كان لهم قدرة على إظهار أمر خارق صدر عنهم قبل هذه الأوقات. فلما لم يظهر منهم أحد الأمرين ثبت أنهم كان لهم قدرة على إظهاره ، يكون هذا الاستدلال عند القسيسين محمولا على الاعتساف ، ويكون قوله خلاف الإنصاف. فكذا قول القسيسين عندنا بالتمسك ببعض الآيات القرآنية التي عرفت حالها خلاف الإنصاف وعين الاعتساف. كيف لا وأن المعجزات المحمدية مصرّح بها في القرآن والأحاديث الصحيحة ، كما عرفت في الفصل الأول ، وجاء ذكرها إجمالا أيضا في مواضع متعددة من القرآن : / ١ / في سورة الصافات : [١٤ ـ ١٥] (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) في الكشاف (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) من آيات الله البيّنة كانشقاق القمر ونحوه (يَسْتَسْخِرُونَ) يبالغون في السخرية أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها. وفي التفسير الكبير : «والرابع من الأمور التي حكاها الله تعالى عنهم أنهم قالوا ان هذا إلا سحر مبين. يعني أنهم إذا رأوا آية ومعجزة