فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) (١) أي إذا طلّقوهن وانقضت عدّتهن. وفي إشارة إلى أن التزويج من النبيّ صلىاللهعليهوسلم لمن يكن لقضاء شهوة النبيّ عليهالسلام بل لبيان الشريعة بفعله. فإن الشرع يستفاد من فعل النبيّ صلىاللهعليهوسلم (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [الأحزاب : ٣٧] أي مقتضيا ما قضاه كائن. ثم بيّن أن تزوجه عليهالسلام بها ، مع أنه كان مبنيا لشرع مشتمل على فائدة ، كان خاليا عن المفاسد. انتهى كلامه بلفظه. فظهر أن زينب رضي الله عنها كانت تتكبر على زيد بسبب النسب وعدم الكفاءة. وهذا الأمر كان سبب عدم المحبة بينهما فأراد زيد رضي الله عنه أن يطلقها ، فمنعه النبيّ صلىاللهعليهوسلم. لكنه طلقها آخر الأمر ، فلما انقضت عدتها تزوجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لبيان الشريعة لا لأجل قضاء الشهوة. وكان قبل نزول الحكم مخفيا لهذا الأمر لأجل عادة العرب. ولا بأس فيه كما ستعرف في الأمر الثالث إن شاء الله تعالى. والرواية التي وقعت في البيضاوي ضعيفة عند محققي أهل الحديث ، كما صرّح به المحقق المحدث الشيخ عبد الحق الدهلوي في بعض تصنيفاته ، وفي شرح المواقف : «وما يقال أنه أحبها حين رآها فما يجب صيانة النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن مثله». انتهى.
الأمر الثالث : إن الأمور الشرعية لا يجب أن تكون متحدة في جميع الشرائع أو مطابقة لعادات الأقوام وآرائهم. أما الأول فقد عرفت بما لا مزيد عليه في الباب الثالث. وقد عرفت فيه أن سارة زوجة إبراهيم عليهالسلام كانت أختا علانية له ، وأن يعقوب عليهالسلام جمع بني الأختين ، وأن عمران أبا موسى عليهالسلام تزوّج بعمته. وهذه الزيجات الثلاث محرّمة في الشريعة الموسوية والعيسوية والمحمدية وبمنزلة الزنا ، سيما نكاح الأخت العلانية والعمة. وهذه الزيجات أقبح القبائح عند علماء مشركي الهند. فهم يشنعون تشنيعا بليغا ويستهزءون بهؤلاء المتزوجين غاية الاستهزاء وينسبون أولادهم إلى أشد أنواع الزنا. وفي الباب الخامس من إنجيل لوقا هكذا : «٢٩ والذين كانوا متكئين معه كانوا جمعا كثيرا من عشارين وآخرين ٣٠ فتذمر كتبتهم والفريسيون على تلاميذه قائلين لما ذا تأكلون وتشربون مع عشارين وخطأة؟ ٣٣ وقالوا : لما ذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرا ويقدمون طلبات ، وكذلك تلاميذ الفريسيين أيضا ، وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون». فالكتبة والفريسيون الذين من أعظم فرق اليهود وأشرافها كانوا يشنعون على تلاميذ عيسى عليهالسلام بأنهم يأكلون ويشربون مع الخطأة والعشارين وأنهم لا يصومون. وفي الباب الخامس عشر من إنجيل لوقا هكذا : «١ وكان جميع العشارين والخطأة يدنون منه ليسمعوه ٢ فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين هذا يقبل الخطأة ويأكل معهم». فالفريسيون كانوا يشنعون على عيسى عليهالسلام بأنه يأكل مع الخطأة ويقبلهم. وفي الباب
__________________
(١) جميع ما ورد في الأمر الثاني هو لسورة الأحزاب الآية رقم ٣٧.