النساء في قرى البلاد الشرقية ، بل لا يتهمون أيضا بشيء مع هذه المخالطة الشديدة وكونهم شاربي الخمر وشبانا. ويسقط محمد صلىاللهعليهوسلم عن درجة النبوّة بكثرة الأزواج ونكاح زينب وتحليل جاريته بعد تحريمها. لعلّ منشأ هذه الأمور أن الله ، لما كان واحدا حقيقيا لا تكثر في ذاته بوجه من الوجوه عند أهل الإسلام ، فذاته المقدسة لا تسع أمرا غير مناسب. وعندهم لما كان ذاته مشتملة على الأقانيم الثلاثة المتصف كل منهم بصفات الألوهية كلها ، الممتاز كلّ منهم عن الآخر امتيازا حقيقا ، تسع أمرا غير مناسب. لأن الامتياز الحقيقي لا يمكن أن يفارق التعدد بل يستلزمه البتة ، وإن لم يقروا بحسب الظاهرية ، كما عرفت في الباب الرابع. والثلاثة أكثر من الواحد فلعلّ إلههم في زعمهم أقوى من إله المسلمين. وكذلك لما لم تكن العصمة من ذنب من الذنوب حتى الشرك وعبادة العجل والأصنام والزنا والسرق والكذب حتى في تبليغ الوحي وغيرها من المعاصي شرطا للنبوّة عندهم ، كانت ساحة النبوّة عندهم أوسع من ساحتها عن المسلمين. أو لعلّ منشأها أن يعقوب وداود وسليمان وعيسى ، لما كانوا أبناء الله ، فلهم أن يفعلوا في مملكة أبيهم ما يشاءون بخلاف محمد صلىاللهعليهوسلم فإنه ، لما كان عبد الله بن عبد الله ، لا يجوز له أن يفعل في مملكة مالكه وسيّده ما يشاء. نعوذ بالله من التعصب الباطل والاعتساف ومن المكابرة وعدم الإنصاف.
المطعن الرابع : ان محمدا صلىاللهعليهوسلم كان مذنبا ، وكل مذنب لا يصح أن يكون شافعا للمذنبين الآخرين. أما الصغرى فلما وقع في سورة المؤمن : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) [غافر : ٥٥] ، وفي سورة محمّد : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [محمّد : ١٩] ، وفي سورة الفتح : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ١ ـ ٢] ، وفي الحديث : «فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدّم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت». ونحوه مما وقع في الأحاديث الأخرى.
والجواب : ان الصغرى والكبرى كلتاهما غير صحيحتين فالنتيجة كاذبة يقينا. وأنا أمهد لتوضيح بطلانهما أمورا خمسة :
الأمر الأول : ان الله رب وخالق ، والخلق كله مربوب ومخلوق. فكل ما صدر عن حضرة الرب الخالق في حق العبد المربوب المخلوق من الخطاب والعتاب والاستعلاء فهو في محله ومقتضى المالكية والخالقية. وكذا كل ما يصدر عن العباد من الأدعية والتضرعات إليه فهو في موقعه أيضا ومقتضى المخلوقية والعبودية. والأنبياء عباد الله المخلصون ، فهم