والآية السادسة عشر من الباب الخامس من إنجيل لوقا هكذا : «وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة لله». ولما كان اتحاد المسيح بذات الله على زعم أهل التثليث ، فلا حاجة له إلى هذه التكاليف الشديدة. فلا بدّ أن تكون هذه الأفعال لأجل التعليم.
الأمر الثالث : إن الألفاظ المستعملة في الكتب الشرعية مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج والنكاح والطلاق وغيرها يجب أن تحمل على معانيها الشرعية ما لم يمنع عنها مانع. ولفظ الذنب في هذا الاصطلاح الشرعي إذا استعمل في حق الأنبياء يكون بمعنى الزلة ، وهي عبارة عن أن يقصد معصوم عبادة ، أو أمرا مباحا ويقع بلا قصد وشعور في ذنب لمجاورة هذه العبادة أو الأمر المباح بهذا الذنب ، كما أن السالك يكون قصده قطع الطريق ، لكنه قد يزل قدمه أو يعثر بسبب طين أو حجر واقع في ذلك الطريق ، أو يكون بمعنى ترك الأولى.
الأمر الرابع : إن وقوع المجاز في كلام الله وكلام أنبيائه كثير ، كما عرفت بما لا مزيد عليه في مقدمة الباب الرابع. وقد عرفت أيضا في جواب الشّبهة الرابعة من الفصل الرابع من الباب الخامس أن حذف المضاف كثير في كتبهم المقدسة.
الأمر الخامس : إن الدعاء قد يكون المقصود به محض التعبد ، كما في قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) فإن إيتاء ذلك الشيء واجب ، ومع ذلك أمرنا بطلبه. وكقوله تعالى : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) [الأنبياء : ١١٢] مع أنا نعلم أنه لا يحكم إلا بالحق.
وإذا عرفت الأمور الخمسة أقول : ان الاستغفار طلب الغفران والغفران الستر على القبيح ، وهذا الستر يتصوّر على وجهين : الأول : بالعصمة منه ، لأن من عصم فقد ستر عليه قبائح الهوى. والثاني : بالستر بعد الوجود. فالغفران في الآيتين الأوليين بالوجه الأول في حق النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وفي الثانية بالوجه الثاني في حق المؤمنين والمؤمنات. قال الإمام الهمام الفخر الرازي قدسسره في ذيل تفسير الآية الثانية هكذا : «وفي هذه الآية لطيفة وهي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم له أحوال ثلاثة : حال مع الله ، وحال مع نفسه ، وحال مع غيره. فأما مع الله فوحده ، وأما مع نفسه فاستغفر لذنبك واطلب العصمة من الله ، وأما مع المؤمنين فاستغفر لهم واطلب الغفران لهم من الله». انتهى كلامه بلفظه أو أن المقصود من الأمر بالاستغفار في الآيتين محض التعبد ، كما في قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) [آل عمران : ١٩٤] وكقوله : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) ، كما عرفت في الأمر الخامس ، أو أن المقصود من هذا الأمر أن يكون الاستغفار مسنونا في أمته. فاستغفاره صلىاللهعليهوسلم كان لتعليم الأمة. في الجلالين ذيل تفسير الآية الثانية هكذا : «قيل له ذلك مع عصمته ليستن به أمته». انتهى. أو أن المضاف في