الآيتين محذوف ، والتقدير في الآية الأولى : «فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنب أمتك» الآية. وفي الآية الثانية : «فاعلم أنه لا إله إلا الله ، واستغفر لذنب أهل بيتك ولذنب المؤمنين والمؤمنات الذين ليسوا من أهل بيتك» ، فلا بعد في ذكر المؤمنين والمؤمنات. وقد عرفت في الأمر الرابع أن حذف المضاف كثير شائع في كتبهم ، أو أن المراد بالذنب في الآيتين الزلة أو ترك الأفضل. وسمعت من الأحباء ان بعض من بلغ سن الخرافة من علماء پروتستنت اعترض على هذا التوجيه في بعض تأليفه الجديد ، وقال : «فرضنا أنه ما ظهر من محمد صلىاللهعليهوسلم ذنب من الذنوب غير ترك الأولى ، فترك الأولى أيضا ذنب على ما يحكم به كلام الله أعني التوراة والإنجيل ، فيكون محمّد صلىاللهعليهوسلم مذنبا قال يعقوب في الآية السابعة عشر من الباب الرابع من رسالته هكذا : «فمن يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل فذلك خطيئة له». انتهى. أقول : هذا منشؤه خرافة السن لأنه لا شك أن ترك شرب الخمر حسن حتى مدح الله يحيى عليهالسلام على هذا ، وقال الأنبياء في حقها ما قالوا ، وكذا لا شك أن عدم الإذن لفاحشة مباحة بغي في غسل الرجلين ومسحهما بشعر رأسها بمحضر ملا من الناس حسن ، وكذا ترك المخالطة الشديدة بالنساء الأجنبيات الشواب والجولان معهن في القرى الشرقية حسن ، سيما إذا كان الرجل المخالط شابا عزبا. وما فعل هذه الأمور الحسنة عيسى عليهالسلام ، حتى أن المخالفين طعنوا عليه ، كما عرفت في جواب المطعن الثالث. فيلزم على رأيه أن يكون إلهه أيضا مذنبا. على أن هذا المعترض زاد لفظ التوراة لأجل تغليط العوام ، ولا يوجد هذا الحكم في التوراة. وهو ما أورد سندا لهذا إلا من رسالة يعقوب التي ليست إلهامية على تحقيق العلماء الأعلام من فرقة پروتستنت ، سما على تحقيق إمامه ومقتداه لوطر ، كما عرفت في الفصل الرابع من الباب الأول. فكلام يعقوب على هؤلاء العلماء ليس بحجة. فاعتراضه واه بلا شبهة. وأما الآية الثالثة فالمضاف محذوف ، أو المراد بالذنب ترك الأفضل ، أو المراد بالغفران العصمة. وقال الإمام السبكي وابن عطيّة أن المقصود من هذه الآية ليس إثبات وصدور ذنب وغفرانه ، بل المقصود منها تعظيم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإكرامه فقط. لأن الله أظهر تعظيمه وإحسانه في أول هذه السورة ، فبشّر أولا بالفتح المبين ، ثم جعل غاية هذا الفتح الغفران وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم وإعطاء النصر العزيز. فلو فرض صدور ذنب ما يكون مخلّا لبلاغة الكلام ، فمقتضاها التكريم والتعظيم. كما أن السيّد إذا رضي عن خادمه يقول تارة لإكرامه وإظهار رضاه ، عفوت عنك خطيئاتك المتقدمة والمتأخرة ولا أؤاخذك عليها ، وإن لم يصدر عن هذا الخادم خطيئات. وأما الدعاء المذكور في الحديث فتوجيهه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لما كان أرفع الخلق عند الله درجة وأتمهم به معرفة ، وكان حاله عند خلوص قلبه عن ملاحظة غير ربه إقباله بكليته عليه ارفع حاليه بالنسبة إلى غير ذلك ، كان يرى شغله بما سواه ،