الأصول. فتذكّر بطرس ، وقال له : يا سيّدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست ، فأجاب يسوع». إلخ ... ففي العبارتين اختلاف. وما عدا الاختلاف فيه شيء أيضا ، وهو أن عيسى عليهالسلام لم يكن له حق في أن يأكل من شجرة التين من غير إذن مالكها ، ولم يكن من المعقول أن يدعو عليها ، فيوجب الضرر على مالكها ، وأن يغضب عليها لعدم الثمرة في غير أوانها ، بل كان اللائق لشأن الإعجاز أن يدعو لها فتخرج الثمرة فيأكل منها بإذن المالك ، ويحصل له النفع أيضا. وعلم من هذا أنه ما كان إلها وإلّا لعلم أن الثمرة ليست فيها ، وأن هذا الحين ليس حين الثمرة وما غضب عليها.
١١٣ ـ في الباب الحادي والعشرين من إنجيل متّى بعد بيان مثل غارس الكرم هكذا : «فمتى جاء صاحب الكرم ما ذا يفعل بأولئك الكرّامين؟ قالوا : أولئك الأردياء يهلكهم إهلاكا رديئا ، ويسلّم الكرم إلى كرّامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها». وفي الباب العشرين من إنجيل لوقا بعد بيان المثل هكذا : «فما ذا يفعل بهم صاحب الكرم؟ يأتي ويهلك هؤلاء الكرّامين ويعطي الكرم للآخرين. فلما سمعوا قالوا : «حاشا». ففي العبارتين اختلاف لأن الأولى مصرّحة أنهم قالوا إنه يهلكهم شرّ إهلاك ، والثانية مصرّحة أنهم أنكروا ذلك.
١١٤ ـ من طالع قصة امرأة أفرغت قارورة طيب على عيسى عليهالسلام في الباب السادس والعشرين من إنجيل متّى والباب الرابع عشر من إنجيل مرقس والباب الثاني عشر من إنجيل يوحنّا ، وجد فيها اختلافا من ستّة أوجه : الأول : أن مرقس صرّح بأن هذا الأمر كان قبل الفصح بيومين ، ويوحنّا صرّح بأنه كان قبل الفصح بستّة أيام ، ومتى سكت عن بيان القبلية. الثاني أن مرقس ومتّى جعلا هذه الواقعة في بيت سمعان الأبرص ، ويوحنّا جعلها في بيت مريم. الثالث : أن متّى ومرقس جعلا إفاضة الطيب على الرأس ، ويوحنّا جعلها على القدمين. والرابع : أن مرقس يفيد أن المعترضين كانوا أناسا من الحاضرين ، ومتّى يفيد أنهم كانوا التلاميذ ، ويوحنّا يفيد أن المعترض كان يهوذا. الخامس : أن يوحنّا بيّن ثمن الطيب ثلاثمائة دينار ، ومرقس بالغ فقال أكثر من ثلاثمائة دينار ، ومتّى أبهم الثمن وقال بثمن كثير. السادس ، أنهم اختلفوا في نقل قول عيسى عليهالسلام والحمل على تعدّد القصة بعيد ، إذ يبعد كل البعد أن تكون مفيضة الطيب امرأة في كل مرة ، وأن يكون الوقت الطعام ، وأن يكون الطعام طعام الضيافة ، وأن يعترض المعترضون سيما التلاميذ في المرة الثانية ، مع أنهم كانوا سمعوا تصويب عيسى عليهالسلام فعلها قبل هذه الحادثة عن قريب في المرة الأولى ، وأن يكون ثمن الطيب في كل مرة ثلاثمائة دينار أو أكثر ، على أنه يكون تصويب عيسى عليهالسلام لإسرافها مرتين في إضاعة أكثر من ستمائة دينار عين السّرف. فالحق أن الحادثة واحدة والاختلاف على عادة الإنجيليين.