لا يعلم الله أعلم سأحدثكم عن ذلك ، إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة ، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان ، وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد.
قال الله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت ، فاستسقى صلىاللهعليهوسلم لهم فسقوا فأنزل الله (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) قال ابن مسعود رضي الله عنه : فيكشف عنهم العذاب يوم القيامة فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله عزوجل : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) قال يعني يوم بدر (١).
قال ابن مسعود رضي الله عنه : فقد مضى خمسة : الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام ، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين (٢) ورواه الإمام أحمد (٣) في مسنده ، وهو عند الترمذي (٤) والنسائي في تفسيرهما ، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به ، وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الآية بهذا ، وأن الدخان مضى : جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي ، وهو اختيار ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا عبد الرحمن الأعرج في قوله عزوجل : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) قال : كان يوم فتح مكة وهذا القول غريب جدا بل منكر.
وقال آخرون لم يمض الدخان بعد بل هو من أمارات الساعة كما تقدم من حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه ، قال : أشرف علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من عرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى ابن مريم والدجال وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس ـ أو تحشر الناس ـ تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا» (٥). تفرد بإخراجه مسلم في صحيحه ، وفي الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لابن الصياد : «إني
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ١١ / ٢٣٠ ، ٢٣١.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٤٤ ، باب ٢.
(٣) المسند ١ / ٢٣٦ ، ٣٨١.
(٤) كتاب التفسير ، تفسير سورة الدخان.
(٥) أخرجه مسلم في الفتن حديث ٣٩ ، ٤٠ ، وأبو داود في الملاحم باب ١٢ ، والترمذي في الفتن باب ٢١ ، وابن ماجة في الفتن باب ٢٨ ، وأحمد في المسند ٤ / ٦ ، ٧.