فيها ما شاء تعالى أن يبقى فينشئ الله سبحانه وتعالى لها خلقا ما يشاء».
[حديث آخر] وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثني عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس ، حدثنا عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يعرفني الله تعالى نفسه يوم القيامة ، فأسجد سجدة يرضى بها عني ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني ، ثم يؤذن لي في الكلام ، ثم تمر أمتي على الصراط مضروب بين ظهراني جهنم ، فيمرون أسرع من الطرف والسهم وأسرع من أجود الخيل ، حتى يخرج الرجل منها يحبو وهي الأعمال ، وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط وأنا على الحوض» قيل : وما الحوض يا رسول الله؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج. وأطيب ريحا من المسك ، وآنيته أكثر من عدد النجوم لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ولا يصرف فيروى أبدا» (١) وهذا القول هو اختيار ابن جرير.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو يحيى الحماني عن نضر الخزاز عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) قال : ما امتلأت قال تقول وهل فيّ من مكان يزاد في ، وكذا رواه الحاكم بن أبان عن عكرمة (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وهل في مدخل واحد قد امتلأت. قال الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاهدا يقول : لا يزال يقذف فيها حتى تقول قد امتلأت فتقول : هل من مزيد ، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا فعند هؤلاء أن قوله تعالى : (هَلِ امْتَلَأْتِ) إنما هو بعد ما يضع عليها قدمه فتنزوي وتقول حينئذ هل بقي في مزيد يسع شيئا؟ قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما : وذلك حين لا يبقى فيها موضع يسع إبرة ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) قال قتادة وأبو مالك والسدي (وَأُزْلِفَتِ) أدنيت وقربت من المتقين (غَيْرَ بَعِيدٍ) وذلك يوم القيامة ، وليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب (هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ) أي راجع تائب مقلع (حَفِيظٍ) أي يحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه ، وقال عبيد بن عمير : الأواب الحفيظ الذي لا يجلس مجلسا فيقوم حتى يستغفر الله عزوجل (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أي من خاف الله في سره حيث لا يراه أحد إلا الله عزوجل كقوله صلىاللهعليهوسلم : «ورجل ذكر الله تعالى خاليا ، ففاضت عيناه»(٢).
(وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) أي ولقي الله عزوجل يوم القيامة بقلب منيب سليم إليه خاضع لديه
__________________
(١) انظر الدر المنثور ٦ / ١٢٧ ، ١٢٨.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان باب ٣٦ ، والزكاة باب ١٦ ، ومسلم في الزكاة حديث ٩١ ، والترمذي في الزهد باب ٥٣ ، ومالك في الشعر حديث ١٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٤٣٩.