ألم تر أن النّبع يصلب عوده |
|
ولا يستوي والخروع المتقصّف (١) |
وهذا الذي قاله من جهة العربية متجه ، ولكن لا يساعده المعنى على ذلك ، فإن هذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء بل قبلها ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في الأرض ، فهبط عليه جبريل عليهالسلام وتدلى إليه فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها ، له ستمائة جناح ثم رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى يعني ليلة الإسراء ، وكانت هذه الرؤية الأولى في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبريل عليهالسلام أول مرة ، فأوحى الله إليه صدر سورة (اقْرَأْ) ، ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلىاللهعليهوسلم فيها مرارا ليتردى من رؤوس الجبال. فكلما هم بذلك ناداه جبريل من الهواء ، يا محمد أنت رسول الله حقا وأنا جبريل ، فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه ، وكلما طال عليه الأمر عاد لمثلها حتى تبدى له جبريل ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها ، له ستمائة جناح قد سد عظم خلقه الأفق ، فاقترب منه وأوحى إليه عن الله عزوجل ما أمره به ، فعرف عند ذلك عظمة الملك الذي جاءه بالرسالة وجلالة قدره وعلو مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حيث قال : حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليهالسلام فوكز بين كتفي ، فقمت إلى شجرة فيها كوكرى الطير فقعد في أحدهما وقعدت في الآخر. فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين ، وأنا أقلب طرفي ، ولو شئت أن أمس السماء لمسست ، فالتفت إلى جبريل كأنه حلس لاط فعرفت فضل علمه بالله علي. وفتح لي باب من أبواب السماء ورأيت النور الأعظم ، وإذا دون الحجاب رفرفة الدر والياقوت. وأوحي إلي ما شاء الله أن يوحي» ثم قال البزار : «لا يرويه إلا الحارث بن عبيد ، وكان رجلا مشهورا من أهل البصرة.
(قلت) الحارث بن عبيد هذا هو أبو قدامة الإيادي أخرج له مسلم في صحيحه إلا أن ابن معين ضعفه ، وقال : ليس هو بشيء ، وقال الإمام أحمد : مضطرب الحديث. وقال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حبان : كثر وهمه فلا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، فهذا الحديث من غرائب رواياته ، فإن فيه نكارة وغرابة ألفاظ وسياقا عجيبا ولعله منام ، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا حجاج ، حدثنا شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله أنه قال : رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأفق ،
__________________
(١) البيت لجرير في ديوانه ص ٢٩٨ ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (قصف) ، وتفسير الطبري ١١ / ٥٠٦.
(٢). ١ / ٣٩٥ ، ٣٩٨ ، ٤٠٧.