يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم. انفرد به أحمد. وقال أحمد (١) : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا أبو بكر بن عياش عن إدريس بن منبه عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال : سأل النبي صلىاللهعليهوسلم جبريل أن يراه في صورته فقال : ادع ربك ، فدعا ربه عزوجل فطلع عليه سواد من قبل المشرق فجعل يرتفع وينتشر ، فلما رآه النبي صلىاللهعليهوسلم صعق فأتاه فنعشه ومسح البزاق عن شدقه ، تفرد به أحمد.
وقد رواه ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب من طريق محمد بن إسحاق عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن هبار بن الأسود قال : كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام فتجهزت معهما ، فقال ابنه عتبة : والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينه في ربه سبحانه وتعالى ، فانطلق حتى أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد هو يكفر بالذي دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه فقال : يا بني ما قلت له ، فذكر له ما قال له ، قال : فما قال لك؟ قال : قال : «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» قال : يا بني والله ما آمن عليك دعاءه ، فسرنا حتى نزلنا الشراة وهي مأسدة ونزلنا إلى صومعة راهب فقال الراهب : يا معشر العرب ، ما أنزلكم هذه البلاد فإنها تسرح الأسد فيها كما تسرح الغنم. فقال لنا أبو لهب : إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي ، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة ، والله ما آمنها عليه ، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لا بني عليها ثم افرشوا حولها ، ففعلنا فجاء الأسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة فإذا هو فوق المتاع ، فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففضخ رأسه فقال أبو لهب : قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد.
وقوله تعالى : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أي فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى الأرض حتى كان بينه وبين محمد صلىاللهعليهوسلم قاب قوسين ، أي بقدرهما إذا مدا ، قاله مجاهد وقتادة وقد قيل إن المراد بذلك بعد ما بين وتر القوس إلى كبدها. وقوله تعالى : (أَوْ أَدْنى) قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه ونفي ما زاد عليه كقوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : ٧٤] أي ما هي بألين من الحجارة ، بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة وكذا قوله : (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) [النساء : ٧٧] وقوله : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات: ١٤٧] أي ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة أو يزيدون عليها. فهذا تحقيق للمخبر به لا شك ولا تردد فإن هذا ممتنع وهكذا هاهنا هذه الآية (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى الله تعالى عليه
__________________
(١) المسند ١ / ٣٢٢.