وسلم إنما هو جبريل عليهالسلام ، وهو قول أم المؤمنين عائشة وابن مسعود وأبي ذر وأبي هريرة ، كما سنورد أحاديثهم قريبا إن شاء الله تعالى.
وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أنه قال : «رأى محمد ربه بفؤاده مرتين» (١) فجعل هذه إحداهما ، وجاء في حديث شريك بن أبي نمر عن أنس في حديث الإسراء : «ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى» ، ولهذا قد تكلم كثير من الناس في متن هذه الرواية وذكروا أشياء فيها من الغرابة ، فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أخرى ، لا أنها تفسير لهذه الآية فإن هذه كانت ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في الأرض لا ليلة الإسراء ، ولهذا قال بعده : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) فهذه هي ليلة الإسراء والأولى كانت في الأرض.
وقد قال ابن جرير (٢) : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا سليمان الشيباني ، حدثنا زر بن حبيش قال : قال عبد الله بن مسعود في هذه الآية (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رأيت جبريل له ستمائة جناح».
وقال ابن وهب : حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان أول شأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد (٣) ، ثم إنه خرج ليقضي حاجته فصرخ به جبريل : يا محمد يا محمد! فنظر رسول الله يمينا وشمالا فلم ير أحدا ثلاثا ، ثم رفع بصره فإذا هو ثاني إحدى رجليه مع الأخرى على أفق السماء فقال يا محمد جبريل جبريل يسكنه. فهرب النبي صلىاللهعليهوسلم حتى دخل في الناس ، فنظر فلم ير شيئا ، ثم خرج من الناس ثم نظر فرآه فدخل في الناس فلم ير شيئا ، ثم خرج فنظر فرآه ، فذلك قول الله عزوجل (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) ـ إلى قوله ـ (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) يعني جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) ويقولون : القاب نصف إصبع ، وقال بعضهم : ذراعين كان بينهما ، رواه ابن جرير (٤) وابن أبي حاتم من حديث ابن وهب وفي حديث الزهري عن أبي سلمة عن جابر شاهدا لهذا.
وروى البخاري عن طلق بن غنام عن زائدة عن الشيباني قال : سألت زرا عن قوله : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) قال : حدثنا عبد الله أن محمداصلىاللهعليهوسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٨٦.
(٢) تفسير الطبري ١١ / ٥٠٨.
(٣) أجياد : موضع بأسفل مكة.
(٤) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٥٣ ، في الترجمة.