قال حاكيا عن نظره في قدماء الفلاسفة ومتبعيهم (١) : «... فمنهم من يحملهم على مطالعة كتب الفلاسفة أعني ما كان منها بأيديهم مما نسب إليهم ، لا ما كانوا عليه من العقائد ، وذلك أنّ قدماء الفلاسفة كانوا حكماء اولي خلوات ومجاهدات ، وكانت موادّ علومهم من الوحي ، وكان منتهى علومهم على حسب مقتضى زمانهم وما أتت به أنبياؤهم عليهمالسلام قبل تكامل العلم الحتميّ ، وكان أكثر كلماتهم مرموزة ، فتطرّق إليه التحريف من هذه الجهة ، ومن جهة نقله من لغة إلى اخرى ، ولما كان فهم كلامهم المنقول المحرّف لا يحتاج إلى كثير رياضة ، مال إليه طائفة من أهل الإسلام ، فضّلوا به عن الشريعة القويمة النبويّة وما أتت به من المعارف والحقائق التي لا أتمّ منها ... ثمّ العجب من هؤلاء أنّهم لا يكتفون بالمنقول عن الفلاسفة ، بل يتصرّفون فيه بآرائهم المتباينة ، ويجتهدون فيه بأفكارهم المتضادّة ـ اجتهاد الفقهاء في المسائل الشرعيّة ، فكلّ ما انتهى إليه فكر أحدهم ، زعمه نهاية المعرفة ، فيتبجّح به تبجّح من بلغ الغاية وظفر بالولاية ، مع اختلافهم في نتائج الأفكار وطرق الاعتبار ...».
٣ ـ المتصوّفة : والمراد هنا الذين كانوا يظهرون التقشّف والتزهّد ويدّعون لأنفسهم مقام الوصول إلى الحق وحق الإرشاد ـ وهم ليسوا من أهله في الأغلب ـ فالعاميّة منهم ـ أمثال سفيان الثوري والحسن البصري ـ مردودون عند الفيض لعدم اتّباعهم أهل بيت الوحي وادّعائهم الاستقلال في التعلّم وتعليم الطريق في مقابلهم. وامّا الخاصّة فهم من أهل الهداية لو راعوا الشرائط واجتنبوا البدع وإلا فهم أيضا ضالّون مضلّون ؛ يقول (٢) :
«والصوفية أصناف : وطائفة منهم سلكوا مسلك الحقّ حتّى وصلوا إلى ما وصلوا بما سبقت لهم من الحسنى ، وهم الذين اهتدوا بأئمّة الهدى ـ إمّا في البداية ، أو في أثناء السلوك ، وهم الأقلون منهم ـ ويشترط في البلوغ إلى
__________________
(١) ـ بشارة الشيعة : ١٤١.
(٢) ـ بشارة الشيعة : ١٤١.