علم اليقين :
سار علم الكلام سيرا طويلا وتحول في مسيره تحولات جذريّة في مقاطع مختلفة ، واحتوى بعد القرون الاولى على مباحث ومسائل عجيبة وتطويلات بلا طائل ، حتى وصل الدور إلى نصير الملة والدين الطوسي ـ قدسسره ـ فألّف كتابه الموجز «تجريد الكلام» ، وعمد إلى بناء الكلام بتفكير عقليّ ونقّحه عن الخرافات والأقوال المهملة السابقة ، وصار كتابه هذا مدارا في الكلام اعتمد عليه علماء الفنّ وكتبوا عليه شروحا عديدة ، ودخل الكلام في مسير جديد أجدر به أن نسمّيه «الفلسفة الإسلامية».
وفي هذا الأوان وقبله بدأ البحث عن المعارف العميقة التوحيديّة في التوسّع ، بعد ما انتشر ذلك بصورة كلمات رمزية عن النبيّ الأكرم وأوصيائه المعصومين ـ صلوات الله عليهم ـ ثمّ تلامذتهم من العرفاء المحقّقين ؛ غير أن المنقولات الغير المستندة إلى المعصومين عليهمالسلام الحاكية عن الكشف الروحي لكاشفيها لا تكون حجة على غيرهم على الإطلاق ، ولا يمكن عرضها في المجتمع العلمي والاجتماعات البشرية ، ولمعالجة هذا المعضل عمد المفكّرون إلى الفحص عن مبان وبراهين عقلية يبرهن بها على هذه المعارف العالية ، حتى يمكن عرضها كمجموعة مدوّنة مبرهنة وسياق علمي في المجتمع.
فنشأ علماء ذوي عبقريات سعوا في هذا الميدان وخطوا خطوات في هذا المجال ؛ وذلك مثل الفارابي وابن سينا والسيد حيدر الآملي وابن تركة والسيد الداماد والدواني وغيرهم ؛ ولكن لم يكن لهم حظّ كبير حتى وصل الدور إلى الحكيم الإلهي صدر الدين الشيرازي ، فوفّقه الله تعالى لإظهار اصول وبناء مبان صارت حجرا أساسيا للحكمة المتعالية وسببا لنيل مرحلة قصّر عنها السابقون في هذا المجال ؛ وقرّب ما كان من البون البعيد بين مسائل علم الكلام والفلسفة والعرفان وتداخلت هذه العلوم بصورة ملموسة في المجتمع الإسلامي.
على أن هذا المسير الفكري والعملي كان غامضا لا يصل إليه أفكار