ولكنّ الفيض بعد ما يصرّح (١) بأنّ «من لم يكن على طريقة أهل البيت ـ المطهّرين من الرجس ، المعصومين عن الخطأ ـ ولم يهتد إلى متابعتهم وولايتهم فقد ضلّ وغوى ، وإن فاق في العلوم والمعارف سائر الورى ...» ، قال (٢) : «وهذا شيخهم الأكبر محيي الدين ابن العربي ـ وهو من أئمّة صوفيّتهم ورؤساء أهل معرفتهم يقول في فتوحاته : «إنّي لم أسأل الله أن يعرّفني إمام زماني ، ولو كنت سألته لعرّفني». فاعتبروا يا اولي الأبصار ، فإنّه لمّا استغنى عن هذه المعرفة ـ مع سماعه حديث (٣) «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» المشهور بين العلماء كافّة ـ كيف خذله الله وتركه ونفسه ، فاستهوته الشياطين في أرض العلوم حيران ؛ فصار ـ مع وفور علمه ودقّة نظره وسيره في أرض الحقائق وفهمه للأسرار والدقائق ـ لم يستقم في شيء من علوم الشرائع ، ولم يعضّ من العلم بضرس قاطع ، وفي كلماته من مخالفات الشرع الفاضحة ومناقضات العقل الواضحة ما يضحك منه الصبيان وتستهزئ به النسوان ، كما لا يخفى على من تتبّع تصانيفه ولا سيّما الفتوحات ... ويأتي تارة بكلام ذي ثبات وثبوت ، وأخرى بما هو أوهن من بيت العنكبوت ...».
٥ ـ الفيض وعلم الأخلاق :
وبناء على سيرته المبنية على اتّباع أهل البيت نراه لا يرضى بكثير مما أورده الغزالي في كتابه الإحياء ، ولكنه لما رآه كتابا جامعا للمباحث الأخلاقية مقبولا في المجتمع العلمي والعملي ، أخذ يصحّحه وينقّحه ويضيف إليه ما فات الغزالي لكونه من العامة غافلا عن علوم أهل البيت ؛ قال في مقدمة
__________________
ـ وبعضها على طريقة غيرهم. وانظروا ـ أيّها الإخوان ـ إلى ما في طيّ كلامه من المعاني الدالّة على كيفيّة مذهبه ، كقوله : «إنّ لله خليفة» وقوله : «أسعد الناس به أهل الكوفة» ... وقوله : «لأنّهم يعتقدون أنّ أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع» ـ إلى آخره ...».
(١) ـ بشارة الشيعة : ١٤٩.
(٢) ـ نفس المصدر : ١٥٠.
(٣) ـ ذكر الحديث وأوردنا تخريجاته في ص ٥١٤.