ستر عقائده الخاصّة وعدم إبرازها بصورة واضحة ، وإن كان لا يمكنه السكوت عنها بالمرّة ، فإنّ الإناء يترشّح بما فيه ، وتلك الرشحات عن حقائق ما وصل إليه هذا العارف المحدّث مشهودة لكلّ من تأمّل فيما كتبه في اخريات عمره ـ قدسسره ـ.
والجدير بالذكر التأمل في البيئة التي يعيش فيها الفيض ، وأنها تغيّرت بسبب مصالح الحكومة إلى جوّ قشريّ ظاهريّ ، وصارت لا يفترق بين العارف والصوفي ، [وأن نسبة انتساب أحد إلى التصوّف يساوي نسبته إلى الكفر والإلحاد والزندقة ، وذلك ألجأ عموم العلماء المشهورين في هذا الزمان أن بدءوا يكتبون كتبا في الردّ على التصوف والصوفية وحتى الحكم بكفرهم وارتدادهم (١).]
الفيض ـ قدسسره ـ تجاه المدارس المختلفة العقلية والسلوكية :
بدء سير العلوم العقلية بين المسلمين بالمباحث الكلامية المستندة إلى القرآن والحديث ، ثم نشأ الفكر الفلسفي وتطوّر في المجتمع الإسلامي إلى أن كمل وتحوّل في الكمال إلى الحكمة المتعالية التي تستهدف التبيين البرهاني للكشف العرفاني ؛ وفي خلال ذلك السير نشأت عدة مدارس سيطر كل منها
__________________
(١) ـ شحّن المحدث الجزائري كتابه «زهر الربيع» بنقل كلمات يردّ عليهم وحكايات تسخر منهم وتستهزئ بهم. وكتب الشيخ الحرّ العاملي كتاب «اثنى عشريّة في الردّ على الصوفيّة» والشيخ البهائي تعرّض لهم في جملة من أشعاره وصرّح بذمّهم ، وحتّى استاذ الفيض صدر المتألهين ألّف كتاب «كسر أصنام الجاهلية» في الردّ على المتصوّفة ، وكتب المولى محمد طاهر القمي كتابه «تحفة الأخيار» ونقلوا أنّه حكم بكفر الفيض ـ قدسسره ـ أوّلا ورجع عن قوله هذا واعتذر بعد ما ذهب إليه الفيض وأبان عن عقائده. والفيض نفسه رد عليهم في مطاوي أكثر كتبه وخصّ لذلك شطرا كبيرا من كتابه بشارة الشيعة ؛ كما أنّ للعلامة المجلسي أيضا مكتوبات في ذلك المجال وأنّه أخذ يعتذر في آخر رسالته في الاعتقادات عمّا أفصح به أبوه العلامة محمد تقي المجلسي في بعض رسائله ـ مثل تشويق السالكين ـ عن مدح اسم الصوفي بتوجيهات تزكيه عن التمايل إلى هذه الفئة.