في مقاطع مختلفة من تاريخ الفكر بين المسلمين :
١ ـ الكلام والمتكلمون ، والمعنيّ منهم الفرق المختلفة التي نشأت في أوائل حكومة الامويّين إلى أواسط العباسيين ، وقد صارت تأليفات الفخر الرازي ـ وسيما تفسيره الكبير ـ دائرة مجموعة لهذه المعارف. والفيض لا يعتني بهم ولا يرى ما أوردوه غير الجدال المنهي عنه شرعا في الأكثر.
يقول في وصف كتابه علم اليقين واعتراضه على المتكلمين (١) : «قد أخرجه الله ـ سبحانه تعالى على لساني من سرادقات الغيب ليطهّر به طائفة منكم من رجز الريب ، وليربط به على قلوبكم ويثبّت به الأقدام ، ويزيد في انشراح صدوركم ويغنيكم عن ورودكم فيما لا يعنيكم وصدوركم ـ أعني جدالكم في الدين وتصحيح عقائدكم بمبتدعات المتكلمين وتعلّمكم الألفاظ المخترعة المصطلحة للمتجادلين : فإنها من وساوس الشياطين وتلبيسات إبليس اللعين ، وهي تبعّدكم عن الله جلّ جلاله غاية التبعيد ، وتربو في شبهكم وشكوككم وتزيد ...».
٢ ـ الفلاسفة ـ والفيض لا يردّ عليهم بالشدّة التي واجه بها المتكلمين ، إلا أنّه لا يرى الفكر الخالص موصلا إلى المقصود فيما هو فوق طور العقل ، فلا يرى الاكتفاء به منجيا للإنسان ؛ ولعله يرديه ويدخله في مسالك الهلاك والبطلان ؛ على أنّ القطب الذي يجب أن يدور حوله مدار التفكّر الإسلامي هو الكتاب والسنّة وما جاء عن أهل بيت الوحي ، ثمّ النظر فيما قاله غيرهم لو احتجنا إليه ولم يكن مخالفا مع الأصل الأول ؛ وهذا الأصل وإن كان معترفا به من جهة أكثر الفرق الإسلامية ، إلا أنّ العاملين به أقلّ من القائلين والمنادين له ، ولعل الفيض أكثر عملا به ، حائدا أن يميل إلى جانب التحجّر وجمود أهل الظاهر.
__________________
(١) ـ علم اليقين : خطبة المؤلف للكتاب. وقد وقف في هذا المجال نفس موقف استاذه صدر المتألهين ـ قدسسرهما ـ ، راجع الأسفار الأربعة : ١ / ١١ و ١ / ٧٨ و ١ / ٣٦٣ و ٩ / ٢٠١. الشواهد الربوبية : ٢٧١. سه أصل : ١١٠ ، وغيرها.