كتابه «المحجة البيضاء في إحياء الإحياء» : «فإنّه (كتاب الإحياء) وإن اشتهر في الأقطار اشتهار الشمس في رابعة النهار ، واشتمل من العلوم الدينية المهمّة النافعة في الآخرة على ما يمكن التوصّل به إلى الفوز بالدرجات الفاخرة ، مع حسن البيان والتحرير وجودة الترتيب والتقرير ؛ إلا أنّ أبا حامد لمّا كان حين تصنيفه عاميّ المذهب ولم يتشيّع بعد ـ وإنّما رزقه الله هذه السعادة في أواخر عمره ، كما أظهره في كتابه سرّ العالمين (١) ـ كان قد فاته بيان ركن عظيم من الإيمان ، وهو معرفة الأئمة المعصومين ... وكان كثير من مطالبه ـ خصوصا ما في فنّ العبادات منها مبتنيا على اصول عاميّة فاسدة ، ومبتدعات لأهل الأهواء كاسدة ... فرأيت أن اهذّبه تهذيبا يزيل عنه ما فيه من الوصمة والعيب ... وأضيف إليها في بعض الأبواب ما ورد عن أهل البيت عليهمالسلام ...
الفيض والسياسة :
من المسائل التي ينبغي التأمل فيها مسئلة ارتباط الدين والسياسة عند الفيض ـ قدسسره ـ وحيث أن المسلط على الحكم في أكثر الأزمان كان أهل الباطل ـ ولم يتمكن أهل الحقّ من إقامة دولة الحق لعدم اقتضاء الأحوال التي كانوا يعيشون فيها ـ فعلماء الدين ـ وخصوصا الإمامية ـ خالفوا الحكومات الموجودة عموما بإظهار المخالفة إن تمكّنوا منها ، أو بالانحياز منهم وعدم مساعدتهم عند عدم التمكن من الإظهار ؛ وصارت هذه السيرة سبب انتشاء فكر الافتراق بين الدين والسياسة عند بعض الناس ؛ ولكن التأمل في سيرة العلماء الصالحين يوضح بطلان هذا التفكر ، وأنهم كانوا مترصّدين دائما للتدخّل في الحكومة لو وجدوا إلى الصلاح والإصلاح سبيلا ، ويرون ذلك من واجبهم مهما وجدت الفرصة.
ومن أبرز الشواهد لذلك الحكومة الصفوية ، حيث كانت السلطة بحاجة إلى تأييد علماء الدين ، فمال إلى الإصغاء لكلامهم ، ورأى أهل الحقّ أنّ
__________________
(١) ـ هذا الكتاب منحول على الغزالي على الأظهر ؛ وبناء عليه لا يثبت تشيّعه. راجع ما أوردناه حول نفس المطلب في تعليقة (ص ١ / ٣٤٦) من هذا الكتاب ـ علم اليقين ـ.