العامة من العلماء ـ سيما غير المختصّين ـ فلم يحظ من الإقبال المطلوب عندهم ، وصار عدم التفهّم لبياناته الجديدة مع ما ترسّخ عندهم من الاعتقاد على ما يفهمونه من ظواهر الكتاب والسنّة ـ فحسب ـ سببا لتوجيه الاتّهامات وأنواع الأذى إلى صدر المتألهين وتلاميذه.
ولمّا كان المسيطر على الجوّ العلمي في هذه الأوان التفكير الأخباري ، عمد الفيض الكاشاني ـ قدسسره ـ الذي يعدّ من أكبر تلامذة هذا الحكيم الإلهي ومقرّريه ـ بعد التأمّل في هذه المسائل إلى الالتزام بمسير آخر وإظهار علم الكلام في ثوب جديد ، خاليا عن إفراط الاعتماد على التفكير الفلسفي أو تفريط التحجّر الأخباريّ ، أو التحيّز إلى جانب وإغفال الثاني بالمرّة.
فخطط ـ أولا ـ طريقة تنشأ عن الفكر القرآني والنظر الإسلامي إلى عالم الخارج ، فرأى أنّه إذا كان الأمر يبدأ من الله تعالى وإليه يعود ، فيلزم أن يكون السير العلميّ الكلاميّ أيضا يسير هذا المسير ؛ فأعرض عمّا هو مرسوم في الكتب الكلاميّة المتداولة من الابتداء بالمباحث العامة ـ كالبحث عن الوجود والعدم والعلة والمعلول وغيرها ـ بل ، بدأ بعد ذكر فصول في فضل العلم والعالم ببيان وجود ما هو الحقّ ومحقّق كل حقيقة : ـ الله تعالى ـ.
ثم البحث عمّا يتعلق به من صفاته وأسمائه وأفعاله والملائكة والأرواح.
ثم بعد تمام الكلام في الخالق فأول ما يهمّ الإنسان هو معرفة مكانه في هذا العالم ومسيره ، وأحقّ ما يمكن الاعتماد عليه من البيان في هذا المعنى ما بيّنه خالقه (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) ، فيلزم بعد تمام البحث عما يرتبط بالله تعالى ، البحث عن كتبه ورسله ، وما يتبعه من البحث عن أوصياء الرسول ـ صلوات الله عليهم ـ فإنّ به كمال الرسالة وتمامها.
ثم بمعونة ما يستفاد من الكتب الإلهيّة وكلمات حججه عليهمالسلام الفحص عن المطالب المعاديّة من الموت والقبر والبرزخ والقيامة والجنّة والنار.
واقتبس ذلك من الآيات الكريمة : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) [٢ / ٢٨٥] و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي