لا هزلاً ، وأقرب وسيلة إلى تنمية تلك البذرة ، وتقوية تلك الفكرة ـ فكرة الاتحاد الجدي ـ هو : عقد المؤتمرات في كلُّ عام أو عامين ، يجتمع فيها عقلاء المسلمين وعلماؤهم من الأَقطار النائية ، ليتعارفوا أوَّلاً ، ويتداولوا في شؤون الاسلام ثانياً.
بل وأوجب من هذا : عقد المؤتمرات والمعاهدات بين حكّام المسلمين « لو كان للمسلمين حكام حق » فيكونون يداً واحدة ، بل كيَدين لجسد واحد ، يدفعان عنه الاخطار المحدقة به من كلُّ جانب ، وقد أملت عليهم الحوادث بعد الحرب العامَّة دروساً بليغة ، وعبراً محسوسة لو كانوا يعتبرون.
وفي ابتلاع الطليان مملكة الحبشة العريقة في القِدم ببضعة أشهر ما يستوجب أنْ يقض مضاجعهم ، ويُسهر عيونهم ، وينظروا إلى مستقبلهم بكلِّ خيفة وحذر ، وإلاّ فهم أعرف بالعاقبة وكيف يكون المصير (١).
وحسبنا بهذا القدر بلاغاً ودعوةً ، وإنذاراً وإيقاظاً ، ونحن تكميلاً للفائدة قد اكملنا في هذه الطبعة بعض نواقص هذه الرسالة ، واستوفينا ما فات في بعض مباحثها ممّا له دخل أو فضل فىِ توسعة البحث ، وتوفية الموضوع حقَّه ، مع الحرص الشديد على الايجاز والايصال إلى الغرض
__________________
(١) كانت أول محاولة لغزو الحبشة من قبل الايطاليين في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، إلا أنّهم منوا بهزيمة نكراء في عام ( ١٨٩٦ م ) وتحمّلوا خسائر فادحة من قبل جيش الحبشة المتواضع.
بيد أنَّهم ( أي الايطاليين ) أعادوا الكرة في عهد موسوليني ، وذلك في عام ( ١٩٣٥ م ) ، حيث زحفت جيوشهم نحو أراضي الحبشة لتحتلها هذه المرة في عام ( ١٩٣٦ م ) وتضمها الى مستعمراتها اُسوة بشركائهم من المستعمرين آنذاك كالبريطانيين والفرنسيين والبرتغاليين ، ولتبقى الحبشة تحت الاستعمار الايطالي حتى عام ( ١٩٤١ م ) عندما طردتهم القوات الانكليزية منها.