ومسمع ، بل وربما رجع بعضهم إلى بعض ، على أنَّ الناس من هذا بازاء أمر واقع لا محالة.
وإذا أمعنت النظر فيما ذكرناه ، اتضح لديك أنَّ باب الاجتهاد كان مفتوحاً في زمن النبوَّة وبين الصحابة ، فضلا عن غيرهم ، وفضلاً عن سائر الأزمنة التي بعده ، نعم غايته : أن الاجتهاد يومئذٍ كان خفيف المؤنة جداً لقرب العهد ، وتوفُّر القرائن ، وإمكان السؤال المفيد للعلم القاطع.
ثم كلّما بعد العهد من زمن الرسالة ، وتكثَّرت الاراء ، واختلطت الأعارب بالأَعاجم ، وتغيَّر اللحن ، وصعب الفهم للكلام العربي على حاق معناه ، وتكثَّرت الأَحاديث والروايات ، وربما دخل فيها الدس والوضع ، وتوافرت دواعي الكذب على النبي صلىاللهعليهوآله ، أخذ الاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي يصعب ويحتاج إلى مزيد مؤنة ، واستفراغ وسع ، للجمع بين الأَحاديث ، وتمييز الصحيح منها من السقيم ، وترجيح بعضها على البعض ، وكلّما بَعُد العهدُ ، وانتشر الاسلام ، وتكثَّرت العلماء والرواة ، ازداد الأَمر صعوبة.
ولكن مهما يكن الحال ، فباب الاجتهاد كان في زمن النبي صلىاللهعليهوآله مفتوحاً ، بل كان أمراً ضرورياً عند من يتدبر ، ثم لم يزل مفتوحاً عند الإمامية إلى اليوم ، والناس بضرورة الحال لا يزالون بين عالم وجاهل. وبسنَّة الفطرة ، وقضاء الضرورة أنَّ الجاهل يرجع إلى العالم.
فالناس إذاً في الأَحكام الشرعية بين عالم مجتهد ، وجاهل مقلِّد يجب عليه الرجوع في تعيين تكاليفه إلى أحد المجتهدين.
والمسلمون متفقون أنّ أدلة الأحكام الشرعية منحصرة في الكتاب والسنَّة ، ثم العقل والإجماع. ولا فرق في هذا بين الإمامية وغيرهم من فرق المسلمين.