أرشده إليه الربّ الجليل ، وكان يلاحظ من بعض النفوس بوادر تمرّد لا تحمد عقباها ، وكان يصرّح لبعض أزواجه «لو لا أنّ قومك حديثو عهد بالجاهليّة ، وأخاف أن ينكر قلوبهم ، لأمرت بالبيت فهدم ، فأدخلت فيه ما أخرج منه ...» وفي حديث «لو لا حداثة عهد قومك بالكفر ، لهدمت الكعبة فإنّهم تركوا منها سبعة أذرع في الحجر ضاقت بهم النفقة ...» (١).
لكنّ البعض ـ مع ذلك كلّه ـ كان يضيق ذرعا بتعاليم النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويعلن تمرّده ، بل يكذّب النبيّ صراحة ويطالبه بدليل من السماء على أنّ توليته عليّا هي من عند الله لا من عند نفسه ، وأي دليل كان يريد هذا البائس؟ أن يرمى بحجارة من السماء!! (٢)
وعلى الرغم من أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يعيّن مصداق الإمام الذي يموت من لا يعرفه ميتة جاهليّة ؛ ويعلن أنّ عليّا مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ؛ وأنّه مع القرآن ، والقرآن معه ، ويعهد إليه أنّه «لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق» ، ويؤاخيه في قضيّة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، ويجعله منه بمنزلة هارون من موسى ، وبمنزلة الرأس من الجسد ؛ إلّا أنّ البعض كان يلوم النبيّ على سيرته هذه ، ربّما لأنّهم فسّروا ذلك على أساس أنّ النبيّ كان يتحيّز لعليّ عليهالسلام ، وأنّه كان في ذلك متّبعا هوى نفسه ؛ فقالوا عنه أنّه غوى في حبّ ابن عمّه ، حتّى تصدّي الحقّ للردّ عليهم في قوله جلّ من قائل (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) ، ولامه البعض على مناجاته عليّا دونهم ، فقال لهم : «ما أنا انتجيته ولكن الله انتجاه!» ولاموه على سدّه أبوابهم الشارعة إلى مسجده وتركه باب عليّ مشرعا فبيّن لهم أنّ الله قد فعل ذلك.
وجاءه بعضهم من إحدى الغزوات فشكى عليّا ، فأعرض عنه النبيّ ؛ وجاءه آخر وآخر حتّى بان الغضب في وجهه صلىاللهعليهوآله فقال : «ما بال أقوام يبغضون عليّا؟! من أبغض عليّا فقد أبغضني ، ومن فارق عليّا فقد فارقني ، إنّ عليّا منّي وأنا منه ...» الحديث ، وقال : «أنا
__________________
(١) انظر صحيح البخاري ٢ : ١٨ ، الفردوس للديلمي ٣ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ / ٥٠٨١ مسند أحمد ٦ : ٥٧ / ٢٣٧٧٦ ، المعجم الأوسط للطبرانى ١٠ : ١٧٧ / ٩٣٨٢ ، ٧ : ١٣٩ / ٦٢٤٧ ، ٨ : ١٨٤ / ٧٣٧٥.
(٢) انظر قصّة الحارث بن النعمان الفهري في ص ١١٧ من هذا الكتاب.