وبتصاعده في حيّزه. وما هو ألطف فهو أسخن ، فالهواء حار بالنسبة إلى الماء.
وفي هذه الأحكام أقوال مختلفة ، وآراء شتّى ، أحسنها ما قلناه.
فصل
وبما ذكر ثبت وجود كلّ منها على الوجه الّذي وصفناه ؛ وذلك لأنّ كلّ صفة وكيفية لا بدّ فيها من مبدأ ذاتي ؛ إذ الاتفاقي لا يدوم ، ولا يقع أكثريا ، كما ثبت في مقامه ، فاختلاف الآثار دليل على تباين مصادرها ، فلا وجه لإنكار النار وكونها عنصرا برأسها ، أو كونها عند الفلك.
وأيضا اقتضاء كلّ منها مكانا غير مكان صاحبه ، على ما يشاهد ، دليل على اختلاف صورها ، واختلاف الصور لمّية اختلاف الأمكنة في نفس الأمر ، لكن اختلاف الأمكنة لما كان أوضح من اختلاف الصور كان الاستدلال به على ذلك استدلالا بما هو أوضح عندنا.
وأمّا الحكم باختلاف اقتضائها لأمكنتها ، فإنما هو باختلاف ميولها الطبيعية ، كما مضى ، وهو من أقوى الحجج ؛ لأنها على طريقة اللّم.
وأيضا قاعدة الإمكان الأشرف دالّة على وجود هذا النوع من البسائط الجسمانية ؛ لأنّه أشرف ممّا دونه ، وأخسّ ممّا فوقه ، ومنع كون النار أشرف من سائر العناصر في ذاتها ، مكابرة ؛ وذلك لقوّة وجودها ، وتسلّطها على الإحالة والإحراق ، وتفريق المختلفات ، وجمع المتشابهات.
وبالجملة : كثرة فعلها ، وقلّة انفعالها الجسمانيين ، دليل على شرفها ، وهذا بعكس الأرض فهي أخسّ العناصر ؛ لأنها أكثر انفعالا ، وأقلّ فعلا ، وكونها أقبل