بها يفعل ، وعلمه الّذي به يعلم ، ووجوده الّذي به يوجد ، فصار العارف ـ حينئذ ـ متخلّقا بأخلاق الله بالحقيقة (١). هذا كلامه رحمهالله.
وهذه المرتبة هي نهاية السير إلى الله ، على صراط النفس ، وبعد هذه المراتب الأربع منازل ومراحل ليست أقلّ من درجات ما قبله ، لكن أؤثر فيها الاختصار ؛ لأنها ـ كما قيل ـ لا يفهمها الحديث ، ولا تشرحها العبارة ، ولا يكشف المقال عنها ، غير الخيال ، ومن أحبّ أن يتعرّفها فليتدرّج إلى أن يصير من أهل المشاهدة ، لا المشافهة ، ومن الواصلين إلى العين ، دون السامعين للأثر.
فصل
إذا بلغت النفس إلى غاية كمالها العقلي ، والعملي ، واستغنت عن الحركات والأفكار تصير قوّتاها ـ النظرية والعملية ـ قوّة واحدة ، فيصير علمها عملا ، وعملها علما ، كما أن العلم والقدرة في المجرّدات بالنسبة إلى ما تحتها واحد ، وكذلك تصير كلّها السمع والبصر والقوى والجوارح ، فتكون عين البدن ؛ لغاية قوّتها ونورانيّتها ، والبدن عين النفس ؛ لغاية صفائه ولطافته.
وإليه أشار من قال :
رقّ الزجاج ورقّت الخمر |
|
فتشابها وتشاكل الأمر |
فكأنه خمر ولا قدح |
|
وكأنّها قدح ولا خمر (٢) |
__________________
(١) ـ شرح الإشارات : ٣ : ٣٨٩.
(٢) ـ هذان البيتان للصاحب بن عبّاد. أنظر ترجمة الصاحب بن عبّاد في سير أعلام النبلاء : ١٦ : ٥١١ ، رقم ٣٧٧.