المعنى : أوتيته على ما عندي من العلم والخبرة والمعرفة التي توصّلت بها إلى ذلك ، وحصلته بها.
وإن أريد به علم الله ، كان المعنى : أوتيته على ما علم الله عندي من الخير والاستحقاق ، وأني أهله ، وذلك من كرامتي عليه ، وقد يترجح هذا القول بقوله : أوتيته ، ولم يقل : حصّلته واكتسبته بعلمي ومعرفتي ، فدل على اعترافه بأن غيره آتاه إياه ، ويدل عليه قوله تعالى (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ (٤٩)) [الزمر] أي : محنة واختبار ، والمعنى : أنه لم يؤت هذا لكرامته علينا ، بل أوتيه امتحانا منا وابتلاء واختبارا ، هل يشكر فيه أم يكفر ، وأيضا فهذا يوافق قوله (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦)) [الفجر] فهو قد اعترف بأن ربه هو الذي آتاه ذلك ، ولكن ظن أنه لكرامته عليه.
فالآية ، على التقدير الأول ، تتضمن ذمّ من أضاف النعم إلى نفسه وعلمه وقوته ، ولم يضفها إلى فضل الله وإحسانه ، وذلك محض الكفر بها. فإنّ رأس الشكر الاعتراف بالنعمة ، وأنها من المنعم وحده ، فإذا أضيفت إلى غيره كان جحدا لها ، فإذا قال : أوتيته على ما عندي من العلم والخبرة التي حصلت بها ذلك ، فقد أضافها إلى نفسه ، وأعجب بها ، كما أضافها إلى قدرته الذين قالوا : من أشدّ منا قوة؟! فهؤلاء اغتروا بقوتهم ، وهذا اغترّ بعلمه ، فما أغنى عن هؤلاء قوتهم ، ولا عن هذا علمه.
وعلى التقدير الثاني يتضمن ذمّ من اعتقد أن إنعام الله عليه ، لكونه أهلا ومستحقا لها ، فقد جعل سبب النعمة ما قام به من الصفات التي يستحق بها على الله ، أن ينعم عليه ، وأن تلك النعمة جزاء له على إحسانه وخيره ، فقد جعل سببها ما اتصف به هو ، لا ما قام بربه من الجود والإحسان والفضل والمنة ، ولم يعلم أن ذلك ابتلاء واختبار له ، أيشكر أم يكفر ، ليس ذلك